ما حدث من أحداث يوم أحد كان لحكم أرادها الله، منها: تمييز الخبيث من الطيب، فما أكثر الذين ينتمون إلى الصف حين الانتصار! فيوم أن انتصر المسلمون في بدر التحق بالصف من ليس منهم، فهؤلاء يعرفون حين تنقلب الموازين.
ثم إن الله أعد للمؤمنين في جنات النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ولن يصلوا إلى ذلك إلا بالامتحان والابتلاء العظيم، قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:١٤٢].
ثم من حِكَم الله جلَّ في علاه فيما حدث في ذلك اليوم العظيم: أن يبين للأمة من أقصاها إلى أدناها أن النصر ليس بوجود محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٤٤ - ١٤٥].
ثم بين أن هذه سنة لا تتغير ولا تتبدل فقال:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران:١٤٦ - ١٤٧].
وعبودية الله لا بد أن تكون في السراء وفي الضراء، أما في الرخاء والسراء فالكل يدعي ذلك، فكان لا بد من إظهار العبودية في الشدة حتى يتميز الخبيث من الطيب.
وفي ذلك اليوم العظيم -يوم بدر- ذاق المسلمون طعم الانتصار، وفرحوا بذلك، وذكرهم الله بتلك النعمة العظيمة وبذلك الفضل الكبير فقال:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران:١٢٣] أي: قلة قليلة مستضعفة تخافون أن يتخطفكم الناس {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران:١٢٣].
ثم في يوم أحد ذاق المسلمون مرارة الهزيمة لحكمة أرادها الله؛ وذلك حتى يعرفوا النصر ويأخذوا بأسبابه، وحتى يعرفوا الهزيمة ويتجنبوا أسبابها.