للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصعب بن عمير يفتح المدينة بالقرآن]

أين من يقول للأعداء: لا وألف لا؟! إن لم يكن الشباب فمن يكون؟ لكن أي شباب؟! هاهو مصعب بن عمير يفتح المدينة بالقرآن، ويعدها ليوم الهجرة العظيم، لقد تحمل مصعب أخطر قضية، وقام بأصعب مهمة حين اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول سفير له إلى أهل المدينة، تحمل ابن العشرين المسئولية، وحمل الأمانة على أكمل وجه، فانتاب نور الإيمان على يديه إلى سادات الأنصار؛ فأسلم على يديه أسيد بن حضير الذي تنزلت الملائكة لتلاوته القرآن، وأسلم على يديه سعد بن معاذ الذي اهتز لموته عرش الرحمن، جاء مصعب إلى المدينة وما فيها سوى اثني عشر مسلماً، وما مضت أشهر حتى دخل الإسلام في كل بيت من بيوت المدينة، لقد أثبت مصعب الذي غزا قلوب أهل المدينة بزهده وصدقه وإخلاصه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار.

فمن الذي صنع مصعباً وأمثاله من الشباب؟ لقد صنعهم الإسلام، وإن الإسلام الذي صنعهم لقادر على أن يصنع أمثالهم، من هو مصعب قبل الإسلام؟ ومن هو مصعب بعد الإسلام؟ مصعب بن عمير غرة فتيان قريش، وأوضؤهم بهاءً وجمالاً وشباباً، يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون: كان أعطر أهل مكة، ولد في النعمة وغذي بها، وشب تحت خمائلها، لم يكن لفتيات مكة ونسائها حديثاً إلا مصعباً الذي لا يلبس إلا الحرير، ولا يجلس إلا على الوفير، الابن المدلل لأمه وأبيه، فلما دخل نور الإيمان في قلبه تبدلت الحال، وتغيرت الآمال، فأصبح الفتى المتأنق المتعطر لا يرى إلا مرتدياً أخشن الثياب، يأكل يوماً ويجوع أياماً، خرج يوماً على بعض المسلمين وهم جلوس حول النبي صلى الله عليه وسلم، فما إن رأوه حتى حنوا رءوسهم، وغضوا أبصارهم، وذرفت عيونهم دمعاً شجياً، ذلك أنهم رأوه يرتدي جلباباً مرقعاً بالياً، وتذكروا صورته الأولى قبل إسلامه حين كان ثيابه الديباج والحرير، فاسترجع النبي صلى الله عليه وسلم، ودار في صدره ما دار في صدور أصحابه، فقال: (لقد رأيت مصعباً هذا وما بمكة فتىً أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله) سمعتم يا معشر الشباب والشيب! لماذا ترك مصعب هذا كله؟ تركه حباً لله ورسوله.

أسألكم بالله وكل واحد منا يجيب نفسه بنفسه: هل نحن حقيقة نحب الله ورسوله؟ إن كان الجواب نعم، فهل آن أن نترك اللهو والضياع؟ أما آن أن نترك اللهو والضياع والمعاصي، ونستمع إلى نداء الرحمن الذي ملأ الآذان: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦]؟ قل معي وردد: بلى آن! بلى آن! بلى آن.

عباد الله! إذا لم نجد حلاوة الإيمان في رمضان فمتى إذاً؟! أما تعلم أيها الغالي أن الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي، بل ما وقر في القلب وصدقه اللسان، وعملت به الجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، يزيد بالطاعات والقربات إلى رب الأرض والسماوات، وينقص باللهو واللعب والغفلة والإعراض عن منهج الله عز وجل، ينقص الإيمان بمجالسة أهل الباطل المعرضين عن شرع الله، الساقطين في حفر الرذائل والشهوات، ينقص الإيمان بإطلاق الجوارح في المعاصي، وتلطيخ الأعضاء بالسيئات، وتسويد القلب بالذنوب، عين تنظر إلى الحرام، وأذن تستمع إلى الخنا، وقلب يرتع بالشهوات، ويد تبطش ظلماً، وفرج يقترف الفحشاء، وبطن يمتلئ بالآثام والحرام؟ رحماك يا رب وعفوك! رحماك يا رب وعفوك! يا صائماً عافت جوارحه الخنا أبشر برضوان من الديان عفو ومغفرة ومسكن جنة تأوي بها من مدخل الريان معاشر الأحبة! فتحت مكة، وتحققت الانتصارات بأمثال أولئك الشباب، فمن الذي سيفتح ويرد لنا أقصانا؟! ومن الذي سيصون أعراضنا في العراق؟! اللهم بارك لنا في الشباب والشيب، اللهم رد الشباب إليك رداً جميلاً يا رب العالمين! اللهم اجعلهم هداة مهتدين، وزينهم بنور الإيمان يا رب العالمين، انصرهم بالإسلام وانصر الإسلام بهم يا سميع يا مجيب! اللهم يا غياث المستغيثين! ويا أمان الخائفين! ويا عون المؤمنين! ويا جار المستجيرين! يا ذا العظمة والسلطان! يا من قصمت القياصرة! وقهرت الجبابرة، وكسرت الأكاسرة، اللهم سلط على اليهود والأمريكان الريح القواصم، والبراكين والعواصف، واملأ قلوبهم بالرعب والخوف.

اللهم اكسر شوكتهم، وأقض على قادتهم وساستهم، واجعل أموالهم وديارهم غنيمة للمسلمين في كل وقت وحين، يا منتقم يا جبار يا قهار! اللهم سلط عليهم ومن والاهم فتنة سوداء تمزق قوتهم، وتخطف أبصارهم، وتذهب عقولهم، وتنكس راياتهم، بقوتك يا قوي يا متين! يا ذا الجلال والإكرام والجاه والسلطان! اللهم أيقظ المسلمين من الغفلة والسبات، يا رب الأرض والسماوات! اللهم أيقظ في المسلمين الهمم والعزائم، ونبه منهم الغافل والنائم، وارفع قدرهم إن قل عددهم، واجعل الملائكة عوناً لهم، فأنت نعم المولى ونعم النصير! يا سامع كل نجوى! ويا منتهى كل شكوى! وكاشف كل بلوى، ويا من إليه المشتكى والمأوى! نشكو إليك ما يحدث لإخواننا في العراق وفي فلسطين وكشمير والفلبين والشيشان وأفغانستان والسودان، نشكو إليك ما يحدث لهم من اليهود والأمريكان، ومن والاهم من المنافقين والكفار.

اللهم إن الأقصى والعراق تبكي منابرهم، وامتلأت بالموتى مقابرهم، وقل معينهم وناصرهم، اللهم كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، صن أعراضهم واحقن دماءهم يا رب العالمين! اللهم افتح للمجاهدين الأبواب، وأزل عنهم الصعاب، واصرف عنهم كيد الذئاب، وكل منافق وكذاب، فك أسرانا وأسراهم، ويسر لفكاكهم الأسباب.

يا رب الأرباب! ويا مجري السحاب! لا خاب من دعاك، ولا خاب من رجاك، آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ول علينا خيارنا، واكفنا شرارنا يا رب العالمين! عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.