وآخر من أحد دعاتنا يقول: جيء بشاب من أهل الصلاح والاستقامة، أحسبه والله حسيبه من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ومن الحريصين على حب الخير للناس، جيء به إلينا حتى نغسله، فلما بدأنا بتغسيله، وبدأنا بإعداد المسك والكافور، والله الذي لا إله إلا هو لقد فاحت رائحة المسك منه قبل أن نضع المسك عليه، وامتلأت الغرفة بمسك ما شممنا بمثله من قبل.
قال: قلت لصاحبي: هل تشم ما أشم؟ قال: إي والله، فنظرنا في وجهه فإذا هو كالقراطيس من شدة البياض، غسلناه، وكفناه، وأخذناه إلى المقبرة، وكنت ممن نزل في قبره، فلما أعطونا إياه فإذا هو يؤخذ من بين أيدينا، والله ما حملناه، بل أُخذ من بين أيدينا، قلت لصاحبي: أتشعر؟ قال: إي والله.
ووسد التراب، والله ما وسدناه، ووجه إلى القبلة، ووالله ما وجهناه، وكشفت عن وجهه فإذا هو يضحك، فخفت وظننته حياً، لولا أنني أنا الذي غسلته وكفنته! هذا الشاب الصالح لم تخنه الطاعات حتى في قبره، ولم تخنه الصلوات حتى في قبره، إذا مات ابن آدم تبعه عمله، أما أهل الغفلة فتتبعهم غفلاتهم، وأما أهل الطاعات فتتبعهم طاعتهم، وتضيء لهم قبورهم، فإلى متى والناس يوماً بعد يوم يرحلون والحال لا يتغير ولا يتبدل؟ إن المرض في القلوب ولابد من علاجها، وعلاج القلوب لا يكون إلا بالمواعظ القرآنية.
قال ابن القيم: وعلاج القلب في خمسة: قراءة القرآن بتدبر، وقيام الليل.
ولكن الناس اليوم يمكثون أمام الشاشات ساعات وساعات، ويضيعون الواجبات والطاعات، وأحوال أمتنا في كل مكان مآسي وجراحات.
ها هو الأقصى يلوك جراحه والمسلمون جموعهم آحاد يا ويحنا ماذا أصاب شبابنا أوما لنا سعد ولا مقداد إنَّ علاج القلب بالتضرع في السحر، والارتماء بين يدي الله جل في علاه، والعلاج يكون بتقليل الأكل والشرب والطعام، فما فسدت القلوب إلا لما أثخنت البطون أكلاً وشرباً ولهواً وغفلة، ثم علاج القلوب بمصاحبة الأخيار، والطيور على أشكالها تقع.