للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جموع الأحزاب تتألب لإبادة خضراء المدينة]

بدأ الإسلام يخرج من المدينة بقوة، وبدأت المؤامرات على الإسلام من المنافقين والمشركين وأحفاد القردة والخنازير الذين يتزعمون موائد المفاوضات والاستسلام، فخرج اليهود من خيبر إلى مكة يحرضون مكة على حصار المدينة، ووعدوهم على أن يكون الأمر بينهم سواء، وعلى أن تقسم بينهم غنائم المسلمين، وأن تسبى نساؤهم، وأن تصادر أموالهم، فجاءت مكة بوثنيتها التي تحمل الحقد على الإسلام والمسلمين، وخرجت اليهود التي تحمل الحسد والمكر على الإسلام والمسلمين، وبدأ منافق الداخل يؤلب هذا ويضعف ذاك، والتأم والتف حول المدينة عشرة آلاف لم تلتف من قبلها على مدينة من المدن، وصور الله ذلك الموقف تصويراً عجيباً، فقال تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:١٠] ظنُّ المنافقين وليس بظنِّ المؤمنين، وإنما ظن المؤمنين حين رأوا ذلك، قال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] إنها سنة الصراع التي لا تتغير ولا تتبدل، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:٢٥١] والتفت قريش واليهود والوثنية بكل أنواعها حول المدينة، وطوقوها من كل الجهات، فأشار سلمان الفارسي رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه بحفر الخندق أمام تلك الجموع التي لم تر العرب مثلها قط، وبدأ الخوف يدب من كل مكان، ولك أن تتصور الحال: خوف وجوع وأحوال لا يعلمها إلا الله! فكيف كان حال فريق المؤمنين؟! وكيف كانت المؤامرات تحاك من الداخل ومن الخارج؟! وما أشبه الأمس باليوم، فماذا صنع الرجال في تلك المواقف؟ التفوا حول نبيهم يداً واحدة، قياماً بالليل، وصياماً بالنهار، وانضباطاً على الأوامر، وتركاً للمعاصي والمخالفات؛ لأن النصر لا يستمد إلا من السماء، وأظهروا من العزة ما سطره التاريخ وعجزت الصفحات عن تسطيره.

ربعي يدخل في إيوان كسرى وهو مليء بالأثاث الوثير، ووزراؤه من حوله، وقادة جيشه يلتفون من حوله، فيسألونه وقد دخل ببغلته ورمحه المثلوم، وثيابه المقطعة، لكن تكلم بعزة المؤمن، يقول له كسرى: لماذا أتيتم؟ وماذا تريدون؟ أليس الفقر والجوع هو الذي أخرجكم؟ قال: لا الجوع ولا الفقر أخرجنا، وإنما الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

فقال كسراهم: ما المطلوب منا، وماذا تريدون؟ قال: أسلم تسلم، لك ما لنا وعليك ما علينا.

قال: فالثانية؟ قال: الثانية تدفعون لنا الجزية عن يد وأنتم صاغرون.

قال: وإن لم ندفع؟ قال: السيف بيننا وبينكم.

فهل تدري أين يتكلم؟ ومن أين ينطق بمثل هذا الكلام؟ إنه يتكلم من إيوان كسرى الذي سيكون غنيمة لهم كما وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم.