روي عن منصور بن عمار قال: خرجت ليلة وظننت أني أصبحت، وإذا علي ليل، فقعدت عند باب صغير، فإذا بصوت شاب يبكي ويقول: وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وقد عصيتك حين عصيتك وما أنا بنكالك جاهلاً، ولا لعقوبتك متعرضاً، ولا بنظرك مستخفاً، ولكن سولت لي نفسي، وغلبتني شقوتي، وغرني سترك المرخى علي، فالآن مِن عذابك مَن يستنقذني؟ وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عني؟ واسوأتاه على ما مضى من أيامي في معصية ربي؟ ويا ويلي كم أتوب وكم أعود، وقد حان لي أن أستحي من ربي.
قال منصور: فلما سمعت كلامه قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦].
قال: فسمعت صوتاً واضطراباً شديداً, ومضيت لحاجتي، فلما أصبحنا، رجعت وإذا أنا بجنازة على الباب، وعجوز تذهب وتجيء، فقلت لها: من الميت؟ فقالت: لا تجدد علي أحزاني، قلت: إني رجل غريب، فقالت: هذا ولدي، مر بنا البارحة رجل، لا جزاه الله خيراً، فقرأ آية فيها ذكر النار، فلم يزل ولدي يضطرب ويبكي حتى مات، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! هكذا والله صفة الخائفين يا ابن عمار! سبحان من وفق للتوبة أقواماً، وثبت عليها أقداماً أيا من ليس لي منه مجير بعفوك من عذابك أستجير فإن عذبتني فبسوء فعلي وإن ترحم فأنت به جدير