ظل المسلمون صامدون يقارعون ويقاومون، يضربون أعظم الأمثال في التضحية والثبات، غير أن مصرع القادة الثلاثة، وبقاء الجيش دونما قائد رجح كفة الرومان، وأحدث خللاً واضطراباً في صفوف المسلمين، وأخذ بعضهم ينهزم لاسيما مع سقوط الراية، وبدأت تظهر عليهم علامات الهزيمة، لكن ثابت بن أرقم أحد فرسان الأنصار أنقذ الموقف ورفع اللواء، وصاح: يا معشر المسلمين! اصطلحوا على رجل منكم يحمل اللواء ويقود الجيش، فرشحوه فاعتذر، وقال: ما أنا بفاعل، وبلغ الموقف خطورة لا تحتمل، فقد فقدوا قادة الجيش، وبدت علامات الفوضى والاضطراب تظهر، ولم يكن هناك من تتجه الأنظار إليه لإنقاذ الموقف سوى المحارب الشهير والبطل المغوار خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، الذي لم يمض على دخوله في الإسلام سوى ثلاثة أشهر فقط.
اسمع يا حديث الاستقامة! لم يمض على دخول خالد في الإسلام سوى ثلاثة أشهر فقط، فصاح ثابت بن أرقم بـ خالد: خذ اللواء يا أبا سليمان! خذ اللواء يا أبا سليمان! فقال خالد: لا آخذه، فصاح ثابت بن أرقم بـ خالد: خذ اللواء يا أبا سليمان! فقال خالد: لا آخذه، أنت أحق به؛ لأنك أقدم إسلاماً وأكبر سناً، والرجال تعرف قدر الرجال، فقال ثابت: خذه يا خالد! فو الله ما أخذته إلا لك، فأنت أعلم مني بفنون القتال، فأيده كبار الجيش، وطلبوا من خالد تولي القيادة، والنظر في الموقف المتدهور الذي سيؤدي إلى إبادة الجيش إن لم يتدارك الأمر، فحمل الراية خالد وأصبح قائداً عاماً للجيش.
هذه الأحداث في أرض المعركة، فكيف كانت حالة أهل المدينة؟ هذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعني وإياكم بهدي المصطفى الأمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.