[أسئلة يوم الحساب]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله عباد الله! ومن تقوى الله الاستعداد للوقوف بين يدي الله جل في علاه.
عماذا سيكون السؤال في ذلك اليوم الذي سيجمع الله فيه الأولين والآخرين؟! اسمع بارك الله فيك! اسمع السؤال وأعد الجواب بارك الله فيك! عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزول -أي إلى الجنة أو إلى النار- قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم)، رواه الترمذي، وقال الألباني: رحمه الله وإسناده حسن.
قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ * لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:١٨ - ٢١].
لا تظنن الأمر سهل عبد الله! بل في ذلك اليوم يشتد غضب الجبار جل جلاله، يشتد غضبه على من خلقه فعبد غيره، وعلى من رزقه فشكر غيره، وعلى من أسبغ عليه النعم ثم عصاه، عن عبيد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر وهو يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] أنه قال صلى الله عليه وسلم: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله، ويقبض يده ويبسطها ويقول: أنا الملك، أنا الملك، قال ابن عمر: والله كأني أنظر إلى المنبر يتحرك من أسفله، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف عليه، وأنا أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟).
فتأمل حال العصاة والمجرمين في ذلك اليوم! يوم يشتد غضب الجبار جل في علاه، قال سبحانه: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:١٩ - ٢٤]، يطلبون رضا ربهم، فلا يستجاب لهم.
فتأمل -عبد الله- موقفك غداً بين يدي العزيز القهار، والله إنها ساعة لا يخفى على الموقنين رهبتها، ولا على المتقين شدتها.
اللهم يسر حسابنا، ويمن كتابنا، وثقل موازيننا، زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة يا عزيز يا غفار.
تذكر وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن غضب على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصا إلى النار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا قال سبحانه: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٣ - ١٥].
قال الزجاج: ذكر العنق عبارة عن اللزوم كلزوم القلادة للعنق.
وقال ابن أدهم: كل آدمي في عنقه قلادة يكتب فيها نسخة عمله، فإذا مات طويت، وإذا بعث نشرت، وقيل له: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
وقال ابن عباس رضي الله عنه: معنى طائره: أي عمله.
وقال الحسن: يقرأ الإنسان الكتاب أمياً كان أو غير أمي، يعرف القراءة أو لا يعرفها، ينطق ويقرأ في ذلك اليوم.