خرج رجل من الصالحين ومعه زوجته، وكانت هذه الزوجة صوامة قوامة ولية من أولياء الله -نحسبها كذلك والله حسيبها- خرجا يريدان العمرة، وهكذا الأسفار، إما أسفار طاعة، أو أسفار معصية، فخرجا شوقاً لله، واستجابة لأوامر الله، والغريب أنه كأنما ألقي في روعها أنها لن ترجع، فودعت أهلها، وقبلت أطفالها وهي تبكي، وكتبت وصيتها، ثم ذهبت، فلما وصلا إلى مكة طافا وسعيا وقصرا ودعوا الله وتضرعا، وسألا الله خير الدنيا وخير الآخرة، وفي طريق العودة كانت الزوجة على موعد مع ملك الموت حين انفجر إطار السيارة فخرجت عن مسارها وانقلبت، وأصيبت المرأة في رأسها، وخرج زوجها الذي لم يصب ووقف عليها وهي في سكرات الموت فسمعها تقول: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلما رأت زوجها تبسمت وقالت له: بلغ أهلي السلام وقل لهم: الملتقى الجنة، ثم فاضت روحها إلى بارئها.
الكل سيموت، لكن على أي حال؟ قدر الله ماض على الصغير والكبير، لكن الأعمال بالخواتيم، ويختم للمرء على ما عاش عليه، فإن عاش على طاعة يموت على طاعة ويحشر على طاعة، والعكس بالعكس، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[آل عمران:١١٧].
التقينا أنا وإياكم هنا وسنفترق، وكل منا ينتظر منيته، فمنا من سيموت في أرض، ومنا من سيموت في بحر، ومنا من سيموت في سماء، ولكن على أي حال سيكون الوداع؟ وأين سيكون الملتقى؟ أسأل الله أن يجمعني وإياكم في جنات النعيم.