كان يزيد الرقاشي يحاسب نفسه ويقول: يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟! يا يزيد! من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ يا يزيد! من ذا الذي يُرضي عنك ربك بعد الموت؟ ثم يبكي ويقول: أيها الناس! ألا تبكون على أنفسكم وتنوحون؟! من كان الموت يطلبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، فكيف يكون حاله؟! أيتها الغالية! إن الواحدة لتحزن أشد الحزن إذا ضاع عليها مبلغ زهيد من المال، أو عقد من الذهب، ولا تحزن على ضياع وقتها وعمرها فيما لا ينفع! كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة مال ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك، ما نفع مال يزيد وعمر ينقص.
وكان السري يقول: إذا اغتممتَ بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك.
وقال أبو بكر بن عياش: إن أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، ولا يقول: ذهب يومي، ما عملتُ فيه؟! اعلمي -أخية- أنك منذ ولادتك يبدأ العد التنازلي في ساعات عمرك، فابدئي أنت في العد التصاعدي في جمع الحسنات الكثيرات؛ لتنفعكِ بعد الممات.
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما.
وقال الحسن البصري: الأيام والليالي تبليان كل جديد، وتقربان كل بعيد، وتأتيان بكل موعود ووعيد.
قال الزهري: كان عمر بن عبد العزيز إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}[الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٧] ثم يبكي ويقول: نهارك يا مغرور سهو وغفلة وليلك نوم والردى لك لازم فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ولا أنت في النوام ناجٍ فسالم تسر بما يفنى وتفرح بالمنى كما سُرّ باللذات في النوم حالم وتسعى إلى ما سوف تكره غبه كذلك في الدنيا تعيش البهائم