[كيف تفتح أبواب الجنان]
بالدعاء والتضرع تفتح أبواب الجنان قال سبحانه في سورة الطور: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الطور:١٧ - ١٨].
اسمعي واسمع رعاك الله! إذا استقر المتقون في الجنان دار بينهم هذا الحوار، قال الله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:٢٥ - ٢٨].
اسمعي واسمع أثر الدعاء! {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:٢٨ - ٢٩].
قال السعدي رحمه الله في قوله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} قال يتساءلون عن الدنيا وأحوالها، ثم أخذوا في بيان الذي أوصلهم إلى ما هم فيه من الحبرة والسرور: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}، أي في الدنيا كنا خائفين وجلين، فتركنا من خوفه الذنوب، وأصلحنا لذلك العيوب، فكان نتيجة ذلك: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}، أي من علينا بالهداية والتوفيق، وأجارنا وأنقذنا من عذاب الجحيم.
ثم بينوا حالهم وما الذي كان سبباً في فوزهم ونجاتهم، {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}، كنا نسأله وندعوه أن يقينا عذاب السموم وأن يوصلنا إلى جنات النعيم، فمن بره ورحمته بنا أنالنا رضاه والجنة، ووقانا سخطه والنار.
سر نجاتهم أنهم عاشوا على حذر من هذا اليوم، عاشوا في خشية من لقاء ربهم، عاشوا مشفقين من حسابه، عاشوا كذلك وهم في أهلهم حيث الأمان الخادع، لكنهم لم ينخدعوا حيث المشغلة الملهية، فرفعوا إلى الله سؤالهم وحاجاتهم، وتضرعوا إليه، طلباً للفوز والنجاة، وهم يعرفون من صفاته أنه البر الرحيم بعباده.
أخرج أحمد في مسنده عن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء).
في إحدى معارك المسلمين قال المغيرة بن حبيب: لما برزنا للعدو قال عبد الله بن غانم: هذه الجنان تزينت، فعلام آسى من الدنيا، فوالله ما فيها لعاقل مقام، ووالله لولا محبتي لمباشرة السهر بصفحة وجهي، وافتراش جبهتي في ظلم الليل رجاء الثواب وحلول الرضوان، لتمنيت فراق الدنيا وأهلها.
ثم كسر جفن سيفه وتقدم وقاتل حتى قتل، فلما دفن أصابوا من قبره رائحة المسك، فرآه رجل فيما يرى النائم فقال له: يا أبا سراق! ماذا صنعت؟ قال: خير الصنيع.
قال: إلام صرت؟ قال: إلى الجنة، قال: بم؟ قال: بحسن اليقين، وطول التهجد، وظمأ الهواجر، وكثرة الدعاء.
قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟ قال: تلك رائحة التلاوة والظمأ.
قال: أوصني! قال: أوصيك بكل خير.
قال: أوصني! قال: اكسب لنفسك خيراً، لا تخرج عنك الليالي والأيام عطلاً، فإني رأيت الأبرار نالوا البر بالبر، قال سبحانه: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} [المطففين:٢٢ - ٢٧].
حتى تكون منهم فعليك بالدعاء والتضرع، فلقد قالوا: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٦ - ٢٧].
ردد وقل: أتيتك سائلاً فارحم عنائي فعندك يا كريم دواء دائي فيا مولى الورى جد لي بعفو ومن بنظرة فيها شفائي رأيت كثير ما أهدي قليلاً لمثلك فاقتصرت على الثناء اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا.