[سؤال يطرح نفسه]
قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: (فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على صدقة العلانية).
وإنما فضلت صلاة الليل على صلاة النهار لأنها أبلغ في الإسرار وأقرب إلى الإخلاص.
مدح الله سبحانه وتعالى المستيقظين بالليل لذكره ودعائه واسغفاره ومناجاته بقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦]، وقال: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران:١٧]، وقال عن ليلهم: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:٦٤].
ونفى سبحانه التسوية بين المتهجدين القانتين وغيرهم في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].
من مزايا أهل الليل: أن الله يحبهم ويباهي بهم ويستجيب دعاءهم.
روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم، فذكر منهم: الذي له امرأة حسناء، وفراش حسن، فيقوم من الليل، فيقول الله تعالى: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد، والذي إذا كان في سفر وكان معه رهط فسهروا ثم هجعوا، فقام هو من السحر يتملقني).
قال بعض السلف: قيام الليل يهون طول القيام يوم القيامة.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاعوا القيام وإطلاق السهام؟
الجواب
استطاعوا بأمور: منها وأهمها: الصدق والإخلاص.
ومنها: سلامة الصدور، وخلوها من الأحقاد، وتعلقها بالآخرة، فلا هم إلا هم الآخرة.
كان داود الطائي يناجي في الليل: اللهم همك عطل علي الهموم، وحالف بيني وبين السهاد.
والأهم منها خوف لازم القلوب وقصر الأمل، لأنه من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل، لأن من تفكر في أهوال الآخرة، ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره، كما قال طاوس: إن ذكر جهنم طير نوم العابدين.
وكما قال ابن المبارك: إذا ما الليل أظلم كابدوه فيسفر عنهم وهم ركوع أطار الخوف نومهم فقاموا وأهل الأمن في الدنيا هجوع ومن ذلك أيضاً: عرفوا فضل قيام الليل يوم تليت عليهم الآيات {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:١٦].
سمعوا قوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].
سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أفشى السلام وطيب الكلام وصلى بالليل والناس نيام).
ومن الأمور أيضاً وأعجبها: الحب الصادق، جربوا لذة المناجاة، وحلاوة الخلوة مع الحبيب.
قال أحدهم: أفرح لقدوم الليل لأني أخلو بربي وأكره قدوم النهار لملاقاة الناس.
قال علي البكار: أربعين سنة ما أحزنني شيء سوى طلوع الفجر.