[ذود أم عمارة عن الرسول يوم أحد]
زادت حدة المعركة واجتمع الكفار على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فهجموا عليه هجمة واحدة، وأقبل أحدهم يقال له ابن قميئة يقول: دلوني على محمد، لا نجوت إن نجا.
فاعترضته المجاهدة المقاتلة، اعترضته أم عمارة، ومعها مصعب بن عمير، فاستشهد مصعب، ووقفت أم عمارة في وجه الكافر، فضربها ضربة أصابتها في عنقها إصابة بالغة، فما وهنت وما ضعفت وما استكانت، بل ردت الضربة ضربات، ولكن عدو الله كان معه درعان.
يقول صخرة بن سعد المازني حفيد أم عمارة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يرى نسيبة أم عمارة يومئذ تقاتل أشد القتال حتى جرحت ثلاثة عشر جرحاً، ثم يقول: وإني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عنقها وقد أعظم جراحها، فنظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جرحها، فنادى ابنها عبد الله: أمك، أمك؛ اعصب جرحها بارك الله عليكم من أهل بيت)، ما أعظمها من دعوة وشهادة وتزكية لذلك البيت! (فلما سمعت أم عمارة صوت النبي صلى الله عليه وسلم والدم ينفجر منها صاحت: ادع الله أن نرافقك في الجنة، فأتاها الجواب منه صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة، فهتفت رضي الله عنها: والله ما أبالي ما أصابني من الدنيا بعد اليوم).
هل سمعت الأمنية؟! هل سمعت المطلب؟! هل سمعت السؤال؟! إنها مرافقة الحبيب في الجنة، وما أدراك ما الجنة؟! ريحانة تهتز، ونور يتلألأ، ونهر مطرد، وقصر مشيد، وثمرة نضيجة، فأين المشمرات؟! أين الصادقات؟! أين العابدات؟! (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها).
اعمل لدار غدٍ رضوان خازنها الجار أحمد والرحمن بانيها دلالها المصطفى والرحمن بايعها وجبرائيل ينادي في نواحيها قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها أنهارها لبن تجري ومن عسل والخمر يجري رحيقاً في مجاريها من يشتري الدار بالفردوس يعمرها بركعة في ظلام الليل يحييها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها ولا زال للتاريخ حديث يخبرنا به عن أم عمارة وماذا صنعت، وماذا سطرت.
فلما عاد القوم إلى المدينة وقد استشهد الصفوة الأخيار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رجعت أم عمارة صابرة على جراحها، وفي اليوم التالي نادي منادي النبي صلى الله عليه وسلم للخروج مرة ثانية لمن شهد المعركة فقط، وأرادت أم عمارة أن تخرج، وهي التي أصيبت إصابات بالغة، شدت عليها ثيابها فما استطاعت من شدة الجراح والآلام وكثرة النزف، فمكثت وهي كارهة، وحولها نساء المسلمين يضمدن جراحها، حتى عاد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيام.
فلما وصل أرسل إليها عبد الله بن كعب المازني يسأل عنها، فأخبروه أنها بخير وسلامة، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بسلامتها، وكيف لا يفرح وهي التي فدته بروحها.
لقد كانت رضي الله عنها مجاهدة ومربية للمجاهدين، فلقد شهد أبناؤها المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تشعل في نفوسهم الحماس وروح الجهاد، فلم يتخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة من معاركه.
ونحن نريدك أن تشعلي الحماس في النفوس، وتبثي حب الجهاد والتضحية لهذا الدين الذي هو شرف لكِ وعز في الدنيا والآخرة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:٤٤].