[قصة المجادلة: (خولة بنت ثعلبة)]
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها قالت: قال لي أنت علي كظهر أمي.
فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).
تشتكي وترفع شكواها إلى الله قالت: يا رسول الله! إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا فقال بأبي هو وأمي: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).
قالت تجادل وتشتكي وترفع شكواها إلى الله: لقد أفنى شبابي وأفنى مالي، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).
وما هي إلا لحظات حتى جاء جواب ربها يواسيها ويرفع عنها الظلم والعدوان: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:١ - ٢].
تقول عائشة: تبارك الله الذي وسع سمعه كل شيء، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وتجادله وأنا في ناحية البيت ما بيني وبينها إلا ستار، والله ما سمعت شيئاً من كلامها، وفي رواية: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات! تأمل في قوله يوم ناداه زكريا نداءً خفياً، فسمع الصوت وأجاب الدعاء.
عند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا تدعون سميعاً بصيراً قريباً).
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦] سار عمر يوماً ومعه أبو عبيدة: فالتقته امرأة في الطريق فقالت: إيه يا عمر لقد كنت تسمي عميراً تصارع الفتيان في أسواق عكاظ، ثم ما لبثت أن سميت عمر، ثم ما لبثت حتى أصبحت أميراً للمؤمنين فاتق الله يا عمر! واعلم أن الله سائلك عن الرعية كيف رعيتها.
فبكى عمر بكاءً شديداً، فلام أبو عبيدة المرأة على قسوتها على عمر فقال له عمر: دعها يا أبا عبيدة فهذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فحري على عمر أن يسمع قولها.
سبحانه سميع لدعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم وعند اجتماعهم، لا تختلف عليه اللهجات ولا اللغات، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وقد يعجز القائل عن التعبير عن مراده والله يعلم ذلك فيعطيه الذي في قلبه.
وجاء اسمه السميع مقترناً بغيره من الأسماء: (سميع عليم)، (سميع بصير)، (سميع قريب)، وهي تدل على الإحاطة بالمخلوقات كلها وأن الله محيط بها لا يفوته شيء منها ولا يخفى عليه، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل وتذكير للغافل كي يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩].
ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن ومن الشر إلى الخير وإذا تناسوا ذلك فسدت أخلاقهم وأعمالهم.