يقول عبد الله راوي هذه القصة: في ضحى أحد الأيام وحين كانت درجة حرارة الجو عالية انطلقت أنا وزميل لي إلى منطقة بعيدة في مهمة عمل، وكان صاحبي يتولى القيادة، وكنت بجانبه بين نائم ويقظان، وكنت أثناء ذلك أنبهه إلى عدم تجاوز السرعة المحددة، وكنا نستمع إلى شريط لأحد المشايخ، وكان يتكلم فيه عن الجنة ونعيمها، وقبل وصولنا إلى تلك المنطقة حدث ما لم يكن على البال ولا في الحسبان، انفجر الإطار الخلفي لسيارتنا من شدة الحرارة، وسبب انفجاره صوتاً عالياً مما أربك صاحبي وأفقده السيطرة تماماً على السيارة التي أخذت تسير بنا كسفينة بلا ربان تتقاذفها الأمواج، ازداد الموقف شدة وسوءاً حين اتجهت سيارتنا إلى الطريق المعاكس، وأخذت تتجه نحو شاحنة أقبلت علينا بسرعة عظيمة، لم يبق على الموت إلا لحظات، حينها مرت بخاطري أمور وذكريات استرجعت بها شريط الحياة، فتذكرت أمي التي ودعتها في الصباح على أن أرجع إليها في المساء، وقلت في نفسي: كيف سيكون حالها وهي تتلقى الخبر؟ مر بي شريط حياتي الماضية في لحظات، أخذت أردد: باسم الله لا إله إلا الله الله أكبر {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧] اللهم هون علينا الموت وسكراته، وأثناء ذلك أغمضت عيني بانتظار الاصطدام وبانتظار الموت، ثم فتحت عيني فإذا بسيارتنا قد مرت من أمام الشاحنة التي لم يكن بيننا وبينها إلا خطوات، ثم سقطت سيارتنا في حفرة على جانب الطريق، وساد السيارة صمت قطعه أصوات الذين اجتمعوا حول سيارتنا، نزلت من السيارة وأنا أردد: الحمد لله الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء، والله ما كان بيننا وبين الموت إلا لحظات، أما صاحبي فلم يستطع النزول من السيارة وانكب على وجهه باكياً من شدة الموقف، وأنا أهدئ من روعه، وبينما نحن على هذه الحال أقبل علينا شيخان كبيران تزينهما لحى بيضاء وثياب قصيرة فأخذوا يقبلاننا ويهنئاننا ويحمدان الله على سلامتنا، ثم قال لنا أحدهما كلمات سأظل أذكرها أبداً ما حييت، قال: كنا خلفكم ورأينا كيف مالت بكم السيارة يميناً ويساراً، ورأينا مروركما من أمام الشاحنة ونجاتكما من الموت بأعجوبة، ولا أقول إلا: إنكما كنتما في حفظ الله ورعايته، وإنكما صليتما الفجر في جماعة فكنتما في ذمة الله، يقول عبد الله: قلت في نفسي: الحمد لله، فأنا منذ سنوات طوال وأنا أحافظ على جميع الصلوات في المسجد، وصلاة الفجر خاصة، كم أشعر بالأمن والأمان والراحة والاطمئنان، كيف لا وهي حفظ من الله وضمان، ثم سألت صاحبي: أين صليت الفجر اليوم؟ فلم يستطع الإجابة، وإنما توجه إلى خلف السيارة وتوضأ ثم بدأ يصلي.
سبحان الله! لم يبق على صلاة الظهر إلا وقت يسير، وصاحبي لم يصل الصبح إلى الآن، أي حياة هذه؟! أسألكم بالله كيف سيكون حاله لو فارق الحياة في تلك اللحظة؟ وفي ذمة من سيكون؟ إن صلاة الفجر تشتكي هجراً ومقاطعة من شباب المسلمين وشيبهم ونسائهم وأطفالهم، إنك لتحزن أشد الحزن على حال الأمة وهي تمر في أحلك الظروف وأشد المواقف، وإلى الآن لم ترجع إلى ربها، ولم تراجع حساباتها! لي فيك يا ليل آهات أرددها أواه لو أجدت المحزون أواه أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه قال سبحانه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:٤٢ - ٤٣]، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:٧٦]، وقال سبحانه:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف:٩٦ - ٩٩].
يا رب عفوك لا تأخذ بزلتنا واغفر أيا رب ذنباً قد جنيناه كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله