[الفرق بين الجود والكرم]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: أحبتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، اللهم فرج هم المهمومين، واكشف كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين، ودل الحيارى واهد الضالين، واغفر للأحياء وللميتين.
إن ديننا يحث على التكافل والترابط والتآخي والتماسك، يحثنا على مكارم الأخلاق، وعلى نبذ كل ما لا يرضي الله عنا، فمن صفات المؤمنين الصادقين: البذل والجود والكرم والتضحية والعطاء والإيثار إلى غير ذلك من الصفات.
ومن صفات المنافقين: الشح والبخل والحقد والحسد والبغضاء، فميزنا الله عن أولئك المنافقين بالبذل والتضحية والعطاء.
وإن من أسماء الله جل في علاه: الغني، الكريم، الجواد، المعطي وكل هذه الأسماء آثارها لا بد أن تظهر في حياتنا، فديننا يحثنا على مثل هذا سأجمع في موضوعنا الكلام عن الجود والشح والكرم.
فإن قلنا: الجود والكرم، فالجود هو بذل المعروف لمن تعرف ولمن لا تعرف، وأما الكرم فلا يكون إلا في إقراء الضيوف، لذلك كان الجود أعظم من الكرم، وإن كان للكرم دور عظيم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، فنكرمه نحن على كل حال من الأحوال، لكن من الذي سيعطي المحتاج الذي نعرفه والذي لا نعرفه؟ من سيسد حاجة اليتيم والأرملة والفقير؟ وعلى أكتاف من ستقوم أعمال البر والخير؟ وعلى أكتاف من ستبنى المساجد والمدارس ودور الرعاية؟ هذه كلها لا تقوم إلا على أكتاف المنفقين الباذلين المتقين، الذين صدقوا تقواهم بحسن ظنهم بربهم.
وحين أمرنا الله بالمسارعة إلى الجنة بين لنا الطريق، فقال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] فمن أول صفات المتقين قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [آل عمران:١٣٤]، أي: في كل الأحوال يعطي، فإن كانت الصدقة من الغني جميلة، فإنها من الفقير أجمل، ومن صفاتهم قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤]، فهذه الصفات كلها يعود نفعها على الآخرين؛ لذلك فالأعمال التي نعملها إما أعمال قاصرة أو أعمال متعدية.
فالأعمال القاصرة هي التي يقصر نفعها على الشخص، كقراءة القرآن والتسبيح والتهليل والتكبير والصلوات فرضاً أو نافلة فالمردود له، فهذه أعمال قاصرة.
والأعمال المتعدية أعظم أجراً عند الله، يقول ابن عمر: لأن أسير في حاجة أخي أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد.
وبين الله عظم أجر الذين يسعون في الخير فقال سبحانه: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:١١٤]؛ فإن هذه الأعمال كلها يعود نفعها على الآخرين، فقوله تعالى: ((إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ)) أي: أعطاها، وقوله: ((أَوْ مَعْرُوفٍ)) أي: أحسن إلى الآخرين، أو أصلح ذات البين، فهذه أعظم الأعمال عند الله جل في علاه.
ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤]، أي: من يتصدق ويصلح ويبذل المعروف ابتغاء وجه الله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١١٤].