[أهوال يوم القيامة]
يجمع الله الخلق أولهم وآخرهم في يوم لا يغادر الله فيه صغيرة ولا كبيرة، فكيف سيكون حالي وحالك في ذلك اليوم العظيم؟! سيبدأ ذلك اليوم بنفخة في الصور كما قال الله جل في علاه في سياق تلك الآيات: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٧ - ٦٨].
وقال سبحانه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٣ - ١٨].
فكيف سيكون حال أولئك الذين لم يقدروا الله حق قدره؟! إن الأهوال ستبدأ ببعث، ثم حشر، ثم شفاعة، ثم نزاع، ثم حساب، ثم تتطاير صحف.
فأسألك بالله العظيم: كم قرأت مثل هذه الأخبار في كتاب الله؟! أما يتكرر ذلك في كل صفحات القرآن؟! أما أعاد الله أمثال هذه الصور مرات ومرات في كتابه؟ إن المؤمن حقيقة يستعد لذلك اليوم، {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود:١٠٣ - ١٠٥].
وقد أنكر الكفار قضية البعث والحشر والحساب، {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:٧].
إن من حكمة الله البالغة أن يجمع الناس الأولين والآخرين، {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:٣١]؛ حتى يثاب المحسن على إحسانه وحتى يعاقب المسيء على إساءته، فهذه من حكمة الله في جمع الناس في ذلك اليوم العظيم الذي لا يغادر الله فيه صغيرة ولا كبيرة، {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:٤٣ - ٤٤].
أما تكرر هذا الحديث في القرآن وأن الله سيجمع الأولين والآخرين، فقال سبحانه: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:٤١ - ٤٣]، {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:٤١ - ٥٠].
فكيف سيكون حال الناس في ذلك اليوم؟! وكيف سيكون حال أولئك الذين ما قدروا الله حق قدره في ذلك اليوم؟! {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:١٢].
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا} [الأنعام:٣٠].
إن أمنية كل واحد منهم: {يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:٢٧]، فيجمع الله الأولين والآخرين في مكان واحد تبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات، فلا هي بالأرض التي نعرفها، ولا هي بالسماء التي كنا نستظل بها، وحال الناس لا يعلم به إلا الله، {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:٤٣].
إنّ اليوم العظيم تسبقه أهوال عظام، وقد تكررت تلك المشاهد في القرآن مرات ومرات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وقد سمى الله ذلك اليوم القارعة؛ لأنه يقرع الآذان ويقرع القلوب، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [القارعة:٣ - ٥].
فكيف سيكون حالي وحالك إذا صارت الجبال كالعهن المنفوش، وصار الناس كالفراش المبثوث؟! وكيف سيكون حالنا {إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:٢١ - ٢٢]؟! فإذا نفخ في الصور خرج من في القبور يزيلون التراب من على رءوسهم ويقولون: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:٥٢ - ٥٣].
وسمى الله ذلك اليوم يوم التلاق، فيلتقي فيه آدم مع ذريته، ويلتقي فيه أهل الأرض مع أهل السماء، ويلتقي فيه الظالم مع المظلوم.
وسماه الله يوم الجمع، حيث يجمع الله فيه الأولين والآخرين.
فلا تخلو صفحة من صفحات القرآن من صورة ومشهد من ذلك اليوم العظيم، وهي صور تحيي القلوب، لكن ما قدروا الله حق قدره، فغفلوا عن الاستعداد لذلك اليوم العظيم.
وإذا خرج الناس من قبورهم صاروا إلى محشرهم كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة، {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:٩٤]، تقول عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: (الرجال والنساء حفاة عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: يا عائشة! الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض).
إنه يوم الفرار، فيه {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧].
فالقلوب واجفة، والأبصار خاشعة، ولا يدرون ماذا يفعل بهم، ولا يدرون إلى أين المصير، فيشتد الموقف على العباد في ذلك اليوم، وتدنو الشمس من رءوسهم، فأين الفرار في ذلك اليوم إذا أدنيت الشمس من رءوس العباد مقدار ميل؟! قال الراوي: والله ما أدري هل أراد ميل المسافة أم ميل المكحلة؟! فيغرق الناس في عرقهم كل على قدر أعماله، فمنهم من يأخذه العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً.