تقول لي قريبة لي تعمل معلمة في إحدى الثانويات: خرجت من غرفة المدرسات يوماً، فإذا بطالبتين يتبادلن الحديث قريباً من الغرفة، وكان الوقت وقت صلاة الظهر.
قالت الأولى للثانية: لماذا لا تصلين معنا في مصلى المدرسة؟! قالت الثانية: أنا لا أصلي حتى في البيت، وأزيدك من الشعر بيتاً، أهلي كذلك لا يصلون!! لا إله إلا الله! بكل صراحة ووقاحة وقلة حياء تقول: أنا لا أصلي، أسألك بالله العظيم ما الفرق بينها وبين الكافرات؟ صدق الله في علاه حين قال:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:٥٩] قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه: معنى (أضاعوها) يعني: ما تركوها بالكلية، ولكنهم أخروها عن أوقاتها.
نعم رعاك الله! تهاون وتكاسل، لا تصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا تصلي العصر إلا المغرب، ولا تصلي المغرب إلا العشاء، ولا تصلي العشاء إلا الفجر، ولا تصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس.
هكذا حال الغارقات، فمن ماتت أخية وهي على هذه الحال فقد توعدها الله بغي واد في جهنم، بعيد قعره شديد حره، لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، فهل تقوين على هذا؟! أما سمعت تلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)؟! فكم هن الكافرات من الغارقات، ولو سئلن عن أسمائهن لقلن خديجة وعائشة وكذبن والله، وكذبن والله فإنهن غارقات.
روى الذهبي في كتابه:(الكبائر) عن بعض السلف أنه دفن أختاً له ماتت، فسقط منه كيس من ماله في القبر فلم يشعر بذلك، ثم ذكره فرجع إلى القبر ينبشه بحثاً عن الكيس، فوجد القبر يشتعل ناراً، فردَّ التراب ورجع إلى أمه باكياً وحزيناً، قال: أمّاه! أخبريني عن أختي وما كانت تعمل؟ قالت: وما سؤالك عنها؟ قال: يا أمّاه! رأيت قبرها يشتعل عليها ناراً، فبكت أمّه وقالت: يا ولدي! أختك كانت تتهاون في الصلاة وتؤخرها عن وقتها.
سمعتِ يا أمة الله! هذا حال من تؤخر الصلاة، هذا حال من تؤخر الصلاة عن وقتها، فكيف سيكون حال تلك التي تقول: أنا لا أصلي وأهلي أيضاً لا يصلون؟ قال الله عنهم:{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}[القلم:٤٢] يعني: يوم القيامة {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ * فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ}[القلم:٤٢ - ٤٥].
والله إنك لن تتقربي إلى الله بقربة بعد توحيده أعظم من الصلوات، فصلي بارك الله فيك، صلي رعاك الله قبل ألا يصلى عليك، فتاركة الصلاة لا يصلى عليها ولا تغسل ولا تكفن ولا تحمل على الرقاب، بل تُجَرُّ على وجهها، يُحفَرُ لها حفرة في الصحراء تُكَبُّ فيها على وجهها، لا يُدعى لها ولا يستغفر لها، {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[النحل:٣٣]، فهل ترضين بهذا؟ سأترك الجواب لك، {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦].