وفي آخر لحظاته دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، فأخذته عائشة منه لعلمها أن حبيبها يحب السواك، تقول: فلينت له بريقي، ثم أعطيته إياه، فأخذ يستاك، ويضع يده في ركوة فيها ماء، ويمسح على وجهه ويقول:(لا إله إلا الله إن للموت سكرات) تقول عائشة: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على النبي صلى الله عليه وسلم، وما إن فرغ من السواك حتى رفع يده مشيراً بسبابته، وشخص بصره نحو السقف، فلقد التفت حوله ملائكة الرحمن، لتشييعه إلى الملأ الأعلى للقاء ربه، فتحركت شفتاه، فلقد كان يخير في تلك اللحظة بين البقاء في الدنيا أو لقاء ربه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول:(مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى! اللهم الرفيق الأعلى! اللهم الرفيق الأعلى! اللهم الرفيق الأعلى) قالها ثلاثاً ثم مالت يده، وهدأت أنفاسه، وسكت قلبه، وخرجت الروح إلى بارئها، مالت أفضل يد، وهدأت أزكى نفس، وسكت أعظم قلب، وخرجت أطهر وأزكى روح، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، فعظم الله أجري وأجركم.