للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشباب والمحافظة على الصلاة]

اسمع بصراحة إلى واقع الشباب: التقيت بثلاثة على إحدى الطرق الطويلة في ساعة متأخرة من الليل، قلت وقد توقفت لهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد الدمام، قلت: اصعدوا فأنتم على طريقي.

لما ركبوا وهم في مقتبل العمر لم تتجاوز أعمارهم الحادية والعشرين أو الثانية والعشرين، سألتهم: أين تريدون؟ قالوا: نريد المكان الفلاني، قلت: ماذا تريدون من هناك؟ قالوا: نبحث عن وظائف، قطعوا مسافات طويلة بحثاً عن وظيفة، بحثاً عن الجاه، بحثاً عن الرزق.

ولا عيب في أن يسعي الإنسان لرزقه؛ لكن عيب كل العيب أن يراه الله مقصر في حقه، عيب كل العيب أننا نخرج من أجل دنيانا وفي قضاء حوائجنا ولا نخرج في طاعة الله حين ينادينا منادي الله: الصلاة خير من النوم، أو حي على الصلاة حي على الفلاح.

قلت: اصدقوني ما هي المؤهلات التي تحملونها.

فما ذكروا مؤهلات تذكر، منهم من يحمل الشهادة المتوسطة ومنهم من يحمل دون ذلك، قلت: الأمر لله من قبل ومن بعد، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم، لكن من كان مع الله كان الله معه، وما سميت الصلاة صلاة إلا لأنها صله بين العبد وربه، ولأن الله يصل بفاعلها إلى الجنة ويصل بتاركها إلى النار، ولأن الله يتعهد أهل الصلوات، قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

لذلك سألتهم وقلت: كيف أنتم مع الصلاة؟ اسمع بارك الله فيك! اسمع أخبار الشباب وبصراحة مع صلواتهم التي هي أساس أمور دينهم، قال الذي يجلس بجانبي: أقول لك الصراحة أم أكذب عليك يا شيخ! قلت: إن كذبت فأنت لا تكذب علي بل تكذب على نفسك أنت، قال: بصراحة أنا ما أصلي، قلت: إذاً كافر، قال: لا، قلت: كيف وقد جاء في الحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، (بين المرء وبين الكفر ترك الصلاة) فهل ترضى بهذا الاسم؟! قال: لا.

قلت: إذاً فافعل بفعل المسلمين الذين من أساس أركان دينهم بعد توحيد الله: إقامة الصلاة.

أما الثاني فقال لي: أنا أحسن منه يا شيخ! أنا أحسن منه حالاً! قلت: وكيف؟ قال: أنا أصلي من الجمعة إلى الجمعة.

قلت: هذا دين جديد وهذا شرع جديد.

قال: وماذا أفعل إذاً؟ قلت: هي خمس صلوات بارك الله فيك! قال الثالث: أنا أحسنهم حالاً يا شيخ! قلت: وكيف؟ قال: أنا أصلي في اليوم صلاتين.

أيعقل أن هذا هو حال الشباب، منهم من لا يركع ولا يسجد، ومنهم من لا يصلي إلا من الجمعة إلى الجمعة، ومنهم من لا يعرف الله إلا في وقت الشدة، في أوقات الامتحانات والاختبارات يقبل الناس على المساجد، وحين ترفع وتقضي حوائجهم يدبرون عن أوامر الله {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩]، يعدهم الشيطان ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

كم خسرنا من شاب وفتاة لا يصلون ولا يعرفون أوامر الله، كم خسرنا من صغار ومن كبار خرجوا من الحياة بلا رصيد من الحسنات، غرتهم الأماني وغرهم بالله الغرور.

يقول أحد مغسلي الموتى: جيء لنا بشاب في مقتبل العمر، فلما بدأنا بتغسيله وتكفينه انقلب لونه من البياض الشديد إلى السواد الشديد، خفنا من المنظر الذي رأيناه فخرجنا خائفين فوجدنا رجلاً في الخارج، قلنا: من أنت، ومن الميت؟ قال: الميت ميتنا وأنا أبوه.

قلت: ما خبر ميتكم هذا؟ قال: ميتنا هذا لم يك من المصلين، قلنا: نعوذ بالله! خذوا ميتكم أنتم وغسلوه وكفنوه، فحكم الله في هذا ألا يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يدعى له ولا يستغفر له ولا يحمل على الرقاب، بل يسحب على وجهه، وتحفر له حفرة في الصحراء ثم يكب فيها على وجهه {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل:٣٣].

أتدري كم من أمر للمحافظة على الصلوات في كتاب الله؟ أكثر من تسعين أمراً، يكفينا أمر واحد حتى نعلم أن القضية قضية خطيرة، وأن القضية يترتب عليها إما جنة وإما نار، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة، وحتى يستقيم حاله في دنياه وينظر الله في أموره في آخرته لا بد أن يستقيم صفوف المصلين.

أحد الشباب يقول: أنا وصاحب لي نغدو ونروح في أوقات الصلوات والله لا نعرف المساجد ولا نعرف الأوامر، نستهزئ بالمصلين ونستهزئ بأهل الاستقامة وأهل الالتزام، حتى جاء يوم فافترقنا بعد الفجر ولم نصلها، نمت فلما استيقظت قال لي أخي الأكبر: فلان صاحبك قد مات اليوم! ظننت بأن الأمر مزح وليس بالأمر الجد، فقلت: اترك عنك هذا الكلام فقد فارقته هذا الصباح وذهب هو إلى البيت.

قال: أقول لك بالحرف الواحد: فلان قد مات! فذهبت إلى بيته أتقصي الخبر، طرقت الباب فخرج إلي أبوه، قلت: أين فلان؟ فقال لي والدمعة على خده: عظم الله أجرك في فلان، قلت: أين هو؟ قال: أين هو؟! لن نصلي عليه ولن ندفنه في مقابر المسلمين، لأنه كان لا يصلي، كم نصحناه وإياك أن تحافظا على أوامر الله! يقول الشاب: حينها علمت أني على خطر، حينها تأكدت أني أسير على طريق غير صحيح، علمت أنه لا بد أن أصحح المسار، فهذا الموت يتخطف الصغار ويتخطف الكبار، منهم من يأخذه في الجو، ومنهم من يأخذه في الأرض، ومنهم من يأخذهم على ضفاف البحار؛ فكيف يكون حالي إذا جاءني المنادي يقول: يا فلان بن فلان، قد انقضى العمر وانتهت الحياة، وأنا على حال لا يعلمها إلا الله.

قال لي الأب: صل قبل ألا يصلِّ عليك كما فعلنا بفلان! علمت حينها أني على خطر عظيم، علمت حينها أن الله قد مد في عمري وأعطاني فرصة حتى أراجع الحسابات.

تمضي السنين وتنقضي الأيام والناس تلهو والأنام نيام والناس تسعي للحياة بغفلة لم يذكروا القرآن والإسلام والمال أصبح جمعة كتهجد وتمتع الشهوات صار صيام قد زين الشيطان كل رذيلة والناس تفعل ما تشاء حرام يا نفس يكفي فالذنوب كثيرة إن الغرور يسبب الأجرام هل تعلم اليوم المحدد وقته الله يعلم وحده العلام ماذا تقول إذا حملت جنازة ودفنت بالقبر الشديد ظلام هذا السؤال فهل علمت جوابه ماذا تقول إذا نطقت كلام اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي وغداً تموت وترفع الأقلام بصراحة إن كثيراً من الشباب يحتاج إلى مراجعة الحسابات، اذهب إلى صلاة الفجر مع الجماعة فلا ترى إلا قليلاً من الشباب الذين هداهم الله وآباء وأجداداً يصلون، والبقية الباقية تمر وكأن الأمر لا يعنيها، ستخونهم المعاصي، ستخونهم المنكرات، ستخونهم المخالفات في ساعات هم في أمس الحاجة إلى العون والتثبيت من الله ولكن لا يثبت الله إلا أهل الصلوات.

يقول أحد مشايخنا الكرام: مات أحد الشباب الذين نعرفهم بالصلاح -نحسبهم والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحداً- يقول شيخنا: أعرفه تمام المعرفة، كان من الذين يحافظون على الصلاة وتكبيرة الإحرام في الصف الأول، أعرفه حريصاً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أعرفه حريصاً على فعل الخيرات وعلى ترك الفواحش والمنكرات، مات لكنه مات على طاعة، فكنت ممن غسله وكفنه وودعه في قبره.

قال: في ذلك اليوم رأينا في جنازته عجباً، رأينا في جنازته عبرة لأولي الألباب، لما بدأنا بتغسيله وتكفينه بدأنا بمزج المسك والكافور، يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد فاحت رائحة المسك منه قبل أن نضع المسك عليه حتى فاحت في المكان كله، فقلت لصاحبي: أتشم؟ قال: إي والله، والله ما شممت أحلى ولا أجمل من تلك الرائحة {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠].

قال: فلما كفناه وذهبنا به إلى المقبرة كنت ممن نزل في قبره، وكان الناس على شفير القبر يريدون إنزاله، فلما أنزلوه وكنت أنا وصاحبي في القبر يقول: والله الذي لا إله إلا هو إنه حمل من بين أيدينا وما حملناه! ووالله إنه وضع في التراب وما وضعناه! والله إنه وجه إلى القبلة وما وجهناه! يقول: كشفت عن وجهه فإذا هو يضحك وعلى وجهه ابتسامة لولا أنني أنا الذي غسلته وكفنته لما كنت أظن أنه قد مات، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء؛ عاش على الطاعة ومات على الطاعة، فثبته الله في أشد اللحظات، كما خانت المعاصي أصحابها ثبتت الطاعات أهل الطاعات في أمس اللحظات.