أيتها الغالية! إن العقول تحكم بوجوب تقديم محبة الله على محبة النفس والأهل والمال والولد وكل ما سواه، وكل من لم يحكم عقلها بهذا فلا تأبه لعقلها، فإن العقل والفطرة والنظر تدعو كلها إلى محبته سبحانه بل إلى توحيده في المحبة، وإنما جاءت الرسل بتقرير ما في الفطر والعقول كما قيل: هب الرسل لم تأت من عنده ولا أخبرت عن جمال الحبيب أليس من الواجب المستحق محبته في اللقاء والمغيب فمن لم يكن عقله آمراً بذا ما له في الحجا من نصيب وإن العقول لتدعو إلى محبة فاطرها من قريب أليست على ذاك مجبولة ومفطورة لا بكسب غريب أليس الجمال حبيب القلوب بذات الجمال وذات القلوب فيا منكراً ذاك والله أنت عين الطريد وعين الحريب ويا من يوسد محبوبه ويرضيه في مشهد أو مغيب حظيت وخابوا فلا تبتئس بكيد العدو وهجر الرقيب اسمعي أمة الله! اسمعي أماه! اسمعي أختاه! عن المحبات الصادقات وتساءلي وقولي: أين نحن من هؤلاء؟ في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها:(أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل فقال: هذه خديجة أتتك ومعها إناء فيه طعام وشراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها من ربك السلام ومني)، الله أكبر! ربها يقرئها السلام.
نزلت عليه صلى الله عليه وسلم آيات سورة المزمل تأمره بقيام الليل، فقام بأبي هو وأمي وقامت معه خديجة وقام الصحابة اثني عشر شهراً حتى انتفخت أرجلهم، ثم نزل التخفيف لما رأى الله صدقهم فقال سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:٢٠]، أما قال عنها صلى الله عليه وسلم:(آمنت بي يوم كفر بي الناس, وآوتني يوم طردني الناس, وصدقتني يوم كذبني الناس, وأعطتني مالها يوم حرمني الناس)، فلا عجب أن يقرئها ربها السلام.
القاسم هاهي الصديقة بنت الصديق , المبرأة من فوق سبع سماوات, يقول القاسم: كانت عائشة تصوم الدهر، وقال: كنت إذا غدوت - يعني إذا أصبحت - أبدأ بـ عائشة فأسلم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ:{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}[الطور:٢٧ - ٢٨] فانتظرت حتى مللت الانتظار، فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي في مكانها قائمة تصلي وتبكي وتردد {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ}[الطور:٢٧ - ٢٩].
تأملي يا رعاك الله! إذا كان هذا نهارها فكيف تكون إذا جن عليها الليل؟! فإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد العابدين فـ الصديقة العالمة بليله وقيامه ووتره سيدة المتهجدات {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:٣٤].
أما بنت الفاروق حفصة فقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال جبريل: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة).
وقال نافع: ماتت حفصة حتى ما تخطئ.
أخية! من علمت وأيقنت أن آخر العمر إلى اللحد لم تنشغل بتزيين المهد.
سؤال ونحن في هذا المكان: كيف تكون أول ليلة في الزفاف والعرس؟