[من أحوال الغافلين ترك الصلوات]
من أحوال الغافلين النوم عن الصلوات، بل ربما لا يصلون، ينامون عن الصلوات مرات ومرات، ومنذ أشهر مضت مات شيخ في السبعين من عمره، فجاءني سائل يسأل ويقول: يا شيخ! ما حكم الصلاة على من لا يصلي؟ قلت: ما الخبر؟ قال: مات شيخ كبير في حينا تجاوز السبعين من عمره ما رأيناه قط في المسجد، وما رأيناه صلى يوماً ولا ركع لله، وعندما سئل أهله عن أخباره، قالوا: ما رأيناه يوماً يصلي! أي غفلة هذه؟ تمر بنا الأيام، وتنقضي بنا الليالي، وأنا وأنت نسير إلى النهاية التي لابد منها، أين الاستعداد للرحيل.
كان أحد الصالحين يقوم في هجيع الليل الأخير يرقى على أعلى مكان في قريته، ينادي بأعلى صوته يذكر الناس: الرحيل! الرحيل! الرحيل! حتى جاء يوم انقطع ذلك الصوت، فسأل عنه أمير القرية فقيل له: مات، قال: لا زال يذكر الناس بالرحيل حتى رحل هو.
لا يزال يلهج بالرحيل وذكره حتى أناخ ببابه الجمال فأصابه متيقظاً متشمراً ذا أهبة لم تلهه الآمال والله ما حال بين الناس وبين الاستعداد للآخرة إلا طول الأمل، ومن أطال الأمل أساء العمل، قال تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣]، فلا تراهم يصلون، بل ينامون عن الصلوات، بل قد لا يركعون ولا يسجدون.
مجموعة من الشباب لقيتهم على إحدى الطرقات فركبوا معي، ثم دار بيني وبينهم هذا الحديث: قلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد المكان الفلاني.
قلت: ما هو هدفكم هناك؟ قالوا: نبحث عن وظائف وأعمال.
سألتهم عن المؤهلات فلا تكاد تذكر، لا يحملون من الشهادات الدراسية أو المهنية شيئاً يذكر، سألتهم: كيف أنتم مع الصلاة؟ لعلمي يقيناً من كتاب الله وسنة نبيه أن الصلاة مفتاح البركات، قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].
فقال الأول: أتريد الصدق أم تريد أن أكذب عليك؟ قلت: إن كذبت فأنت تكذب على نفسك، أما أنا فلا يضرني.
قال: يا شيخ! أنا لا أصلي.
قلت: كافر؟ قال: لا.
قلت: هذا حكم الله وحكم رسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).
أما الثاني فقال: أنا أحسن منه حالاً، قلت: كيف؟! قال: أنا أصلي في اليوم مرتين.
قلت: إن هذا الأمر عجب، الله أمرنا بخمس صلوات، وأنت تصلي صلاتين، أي غفلة هذه؟ أما بني الإسلام على خمس؟ هل ممكن أن مسلماً يغفل عن هذه الأركان أو يجهل هذه الحقيقة؟ إنه عبد مأمور بأداء خمس صلوات.
أما الثالث فكان أعجب من الاثنين، قال: أنا أحسن حالاً، أنا أصلي من الجمعة إلى الجمعة، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي والله لن يستقيم حال المرء حتى يستقيم في صلاته، والله لا يتغير حال الإنسان من حال إلى حال حتى يضبط أمر صلاته، قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلاة.
فترى الغافلين لا يصلون، وانظر في غفلة المجتمع كله اليوم، إذا أذن المؤذن: الصلاة خير من النوم، فإذا خرجت إلى الشارع لا تكاد ترى سيارة تتحرك، ولا تكاد ترى إنساناً يسير، وتدخل المسجد فترى أباً أو شيخاً أو قلة من الشباب الذين هداهم الله، والبقية في غفلة لا يعلمها إلا الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف:١٧٩].
وبعد أذان الفجر بساعة تلاحظ مقدار غفلتنا، إذا نادى منادي الدنيا: حي على الأعمال، حي على الوظائف! امتلأت الشوارع بالغادين والرائحين صغاراً وكباراً، ذكراناً وإناثاً، والبيوت بعد غفلتها هبت من نومتها واستعدت لطلب دنياها.
كيف يتغير واقع الأمة وهي لا تزال تعظم دنياها أكثر من تعظيمها لأوامر الله، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:١٦٥].
فتراهم لا يصلون، ويتساهلون في الصلوات، وتراهم يطلقون النظرات يمنة يسرة في حلال وفي محرمات، وتراهم قد هجروا القرآن، وأكبوا على الأغنيات بالليل وبالنهار، والليل والنهار عندهم سواء.