للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الله يغفر الذنوب جميعاً

أحبتي! إن الذنوب والمعاصي باب كلنا ولجناه وبحر كلنا سبحنا فيه، ولا ينجو من ذلك إلا المعصومون ممن اصطفاهم الله واجتباهم من الأنبياء والرسل، أما أنا وأنت وأنت فكلنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، وقال بأبي هو وأمي: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم)، رواه مسلم.

فالوبال والهلاك هو الاستمرار على المعصية التي زينتها النفوس الضعيفة والشياطين الخبيثة، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: يا أيها الناس! من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإن عاد فليستغفر الله وليتب، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال، وإن الهلاك كل الهلاك في الإصرار عليها.

أخي! أخية! لا بد من الندم والبكاء بسبب المعصية والإقلاع عنها في الحال، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولن تطيب الحياة إلا بالعودة إلى الله والتمسك بالدين! كثير هم المترددون، كثير هم الذين يقولون: ذنوبنا كثيرة، معاصينا غزيرة، فهل يغفر الله لنا؟ أقول: نعم -وبأعلى الصوت- يغفر الله لكم إن تبتم وندمتم ورجعتم، بل ويفرح سبحانه بتوبتكم وعودتكم، بل يحب التوابين ويحب المتطهرين.

تأمل وتأملي معي في هذه الآيات وهذه الكلمات النبويات: قال الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦]، فالرحمة واسعة ونحن لا شيء، وهو أرحم الراحمين.

تدبر وتدبري وتأمل وتأملي في قول الرحمن الرحيم: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣]، نعم يغفر الذنوب جميعاً، بل من كرمه ومنه وجوده يبدل السيئات إلى حسنات.

قال سعيد بن المسيب في قوله تعالى: (فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء:٢٥] قال: هو الرجل يذنب الذنب ثم يتوب، ثم يذنب الذنب ثم يتوب، فالباب مفتوح ويداه سبحانه مبسوطتان بالليل والنهار ليتوب مسيء الليل ويتوب مسيء النهار.

قال الفضيل: قال الله: (بشر المذنبين بأنهم إن تابوا قبلت منهم، وحذر الصديقين أني إن وضعت عليهم عدلي عذبتهم).

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: (إن الله قال: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له على ما كان منه ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئاً).

واعلم رعاك الله واعلمي بارك الله فيك! أن نبي الهدى والرحمة قال: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

فلنسارع بارك الله في الجميع إلى التوبة والندم والرجوع إلى الله، سارعوا بارك الله فيكم قبل أن نصيح بأعلى الصوت: رباه ارجعون؛ رباه ارجعون؛ فلا يستجاب لنا، لكن الباب مفتوح ورحمة الرحمن واسعة.

بل أبشر أيها التائب! وأبشري أيتها التائبة! بهذه الآيات العظيمة التي تستغفر الملائكة فيها للتائبين قال الله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:٧ - ٩].

فالبدار البدار! والمسارعة المسارعة! فإن حياة النفوس في السمو ونجاتها في العلو.

الله الله في التوبة والإنابة.

الله الله في الثبات حتى الممات.

الله الله في الصدق في التوبة مع الله.

الله الله في الصدق في التوبة مع الاستقامة.

واعلم أن باب الاستقامة هو المحراب فالخير كل الخير في ارتياد المساجد، وزاد المساجد هو خير زاد للانطلاق {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:٣٦ - ٣٧] فما جزاء خوفهم؟ {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٨].

عمارة المساجد من الإيمان كما قال الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:١٨]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح، بنى الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح وأحب البقاع إلى الله المساجد وأبغضها إلى الله الأسواق).

قال الحسن بن علي رضي الله عنها: (من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آيةً محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستظرفاً، ورحمةً منتظرةً، وكلمةً تدله على هدى أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً).

ولله در القائل: لا يصنع الأبطال إلا في مساجدنا الفساح في روضة القرآن في ظل الأحاديث الصحاح شعب بغير عقيدة ورق يذريه الرياح من خان حي على الصلاة يخون حي على الكفاح اللهم ارحم عباداً غرهم طول إمهالك، وأطمعهم دوام إفضالك، ومدوا أيديهم إلى كرم نوالك، وتيقنوا أن لا غنىً لهم عن سؤالك.

قولي وقل ولنردد: اللهم إن يكن الندم توبة إليك فإنا إليك من النادمين، وإن يكن الترك لمعصيتك إنابة إليك فإنا لك يا رب من المنيبين، وإن يكن الاستغفار حطة للذنوب فإنا لك من المستغفرين، اللهم فتقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، واسلل سخيمة صدورنا، ولا ترجعنا مرجع الخيبة من رحمتك فإنك أنت التواب الرحيم الجواد الكريم، يا غافر الذنب يا قابل التوب يا أرحم الراحمين.

يا من له وجب الكمال بذاته بل كل غاية فوزهم لقياه سبحان من أحيا قلوب عباده بلوائح من فيض نور هداه من كان يعرف أنك الحق الذي بهر العقول فحسبه وكفاه مولاي جودك لم يدع لي مطلباً إلا وتممه إلى أقصاه اللهم اجعلنا من التوابين واجعلنا من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

اللهم اقبل توبة التائبين واغفر ذنوب المذنبين.

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً يا أرحم الراحمين.

اللهم وفقنا لتوبة نصوح قبل الموت وشهادة عند الموت ورحمة بعد الموت يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يجاهدون من أجل إعلاء كلمة دينك، اللهم انصرهم في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم ثبت إخواننا في العراق وفي فلسطين وأفغانستان وكل مكان، كن لهم عوناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً.

واعلموا أنهم ينصرون بدعوة التائبين، فلنجدد التوبة وندعو لهم منيبين إلى الله راجعين.

تقبل منا إنك أنت السميع العليم، آمنا في أوطاننا اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

أستغفر الله العظيم وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.