إن اختلاف الرأي والنزاع وعدم السمع والطاعة، والذنوب والمعاصي، هي من أسباب الهزيمة، ففي يوم بدر كان الصف واحداً، وكانت الكلمة واحدة، وكانت النية صالحة، فلم تدخل الدنيا في القلوب فانتصرت القلة القليلة، لكن في يوم أحد اختلف الأمر تماماً، فقد جهزت قريش في ذلك اليوم ما لم تجهزه من قبل، بل أرسلت شعراءها يطوفون بين القبائل حتى يجمعوا المتطوعين لقتال محمد وأصحابه، فكان عندهم دافع قوي للقتال، فقد كانوا يريدون الثأر والانتقام، فما وقع عليهم يوم بدر لم يكن بالشيء القليل، فقد قتل كبراؤهم وأمراؤهم وساداتهم، وأثخن فيهم المسلمون الجراح، ونكلوا بهم تنكيلاً، حتى خرجوا من أرض المعركة يجرون قبل الهزيمة أذيال الذل والانكسار؛ لأنهم خرجوا بطراً ورئاء الناس؛ وليحقق الله للمؤمنين سنته:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:٢٤٩].
فحشدوا في ذلك اليوم أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل، ومعهم سبعمائة بعير تنقل عتاد المعركة، وسبعمائة درع كقوة وقائية، وجعلوا ميزانية تلك الحرب هي القافلة التي استنقذت يوم بدر، وكان قوامها أكثر من خمسين ألف دينار ذهب، أي: ما يعادل اليوم أكثر من مليون ريال، وهو مبلغ كبير في ذلك الحين، وضعوا تلك القافلة وقفاً لإعداد الجيش في ذلك اليوم، وخرجوا بثلاثة آلاف، وما خرجت العرب بجيش مثله من قبل، وألبوا القبائل، وطلبوا المتطوعين من هنا ومن هناك، وخرجت النساء معهم يحرضنهم ويبثثن فيهم روح القتال والانتقام، ويذكرنهم بقتلاهم في بدر، والذل والهوان الذي لحقهم في ذلك اليوم.