للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استشعار اسم الله تعالى: البصير]

ومن أسمائه جل في علاه: البصير، أي: له بصر يرى به سبحانه.

ويعني كذلك أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها، يبصر كل شيء كبر أو صغر، يبصر ما تحت الأرض وما فوق السماء وما في أعماق البحار: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣].

لا تراه في الدنيا العيون ولا تخالطه الظنون ولا تغيره الحوادث والسنون، لا تواري عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩].

هذه آثار وأخبار نعرفها تمام المعرفة لكن أين أثرها في حياتنا؟ سمع عمر ليلة عجوزاً تقول لبنيتها: امزجي اللبن بالماء، فقالت البنية: أما علمت يا جدة أن أمير لمؤمنين عمر نهى عن مزج اللبن بالماء، فقالت العجوز في لحظة غفلة: وأين عمر حتى يرانا؟ فقالت المؤمنة الموقنة بنظر الله: إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.

قصة يعرفها الصغير والكبير، ولكن أين أثرها في حياتنا وفي معاملاتنا؟ وفي ليلة أخرى يتجول عمر فإذا بامرأة في ظلام الليل تردد هذه الأبيات: تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني أن لا خليل ألاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره لحرك من هذا السرير جوانبه ولكن تقوى الله عن ذا تصدني وحفظاً لبعلي أن تنال مراكبه الله أكبر! عظموا الله فراقبوه، واستحيوا منه فهابوه.

الله أكبر! عظم الأمر فعظمت الأوامر.

ومر ابن عمر على رويعي غنم في صحراء فقال له امتحاناً: بعنا من هذه الشياه! فقال: أنا مملوك ومؤتمن، فقال ابن عمر ممتحناً إيمانه: قل للمالك أكلها الذئب! فقال رويعي الغنم الذي امتلأ قلبه خشية من الله: إن قلت للمالك أكلها لذئب فماذا أقول لله؟ ماذا يقول إذا نطقت الجوارح والأركان {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا َعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:٢٤ - ٢٥]، فبكى ابن عمر وأرسل إليه من يعتقه وقال له: كلمة أعتقتك في الدنيا أسأل الله أن تعتقك يوم أن تلقاه.

هذه أخبار كلنا يعرفها وسمعها مرات ومرات! لكن أيها الغالي! أيتها الغالية! أين أثر هذا في حياتنا؟ أين أثر هذا في حياتنا؟! ومن معاني البصير: أي الخبير بأحوالهم وأفعالهم يعلم من يستحق الهداية ومن يستحق الغواية {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:٢٧]، {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً} [الإسراء:١٧].