للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فتنة القبر]

ستسمع قرع نعالهم وستبقى وحيداً فريداً إلا من العمل، هناك ستمتحن امتحاناً شديداً، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.

امتحانات الدنيا تعوض، والفرص تعطى مرات ومرات، لكن قل لي بالله العظيم! كيف سيكون الحال إذا ظهرت النتائج هناك؟ كيف سيكون الحال إذا وسدوك وجاءك الملكان وأقعدوك؟ عن البراء بن عازب قال: (كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، وجلسنا عند القبر ولم يلحد بعد، وكانت في يده صلى الله عليه وسلم عصا فنكت بها في التراب ثلاثاً ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر.

ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة، جاءته ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة وجلسوا منه مد البصر، وجاء ملك الموت عليه السلام وجلس عند رأسه، فيقول: يا أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان.

فتخرج روحه كما يسيل القطر من السقاء، فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من الجنة، ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من الجنة فتخرج منه رائحة كأطيب رائحة مسك وجدت على وجه الأرض، ثم يعرج به إلى السماء فما يمرون على نفر من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الطيبة صاحبة الريح الطيب؟ فيقال: هذا فلان بن فلان -بأحب أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا- حتى إذا وصلوا إلى باب السماء واستفتحوا له فتح له، ثم يشيعه مقربو تلك السماء إلى السماء التي تليها، حتى إذا وصل إلى السماء السابعة نادى منادي الله: أن اكتبوا كتابه في عليين وأرجعوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.

فتعاد روحه في قبره فيأتيه ملكان أنفاسهما كاللهب، أبصارهما كالبرق الخاطف، أصواتهما كالرعد القاصف، فيقعدانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن هو ذلك الرجل الذي بعث بكم؟ أما المؤمن فيقول: ربي الله حقاً، ونبيي محمد صدقاً، وديني الإسلام.

فيقال له: وما علمك؟ فيقول: تعلمت القرآن وعملت به، فينادي منادي الله: أن قد صدق، فافرشوا له فراشاً من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة، فيأتيه من روحها وريحانها ويوسع له في قبره مد البصر، فيأتيه رجل أبيض الوجه طيب الشمائل، فيقول: من أنت؟ فوجهك والله لا يأتي إلا بالخير، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي).

هذا حال المؤمن الذي حافظ على الصلوات وترك النواهي والمحرمات.

قال: (أما العبد الكافر، -أو قال: العبد الفاجر- إذا كان في إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءته ملائكة سود الوجوه، معهم كفن من أكفان النار وحنوط من حنوط النار وجلسوا منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت عليه السلام فيجلس عند رأسه فيقول: أيتها الروح الخبيثة صاحبة الريح الخبيث! أبشري بسخط من الله وغضب، فتسل روحه كما ينزع السفود من القطن -يعني الحديد المتشابك- فإذا قبضها ملك الموت لم تدعها الملائكة في يده طرفة عين حتى يلبسوه ذلك الكفن الذي من النار ويحنطوه بذلك الحنوط الذي من النار، وتخرج منه رائحة كأنتن رائحة على وجه الأرض، ويعرج به إلى السماء، فما يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: من هذه الروح الخبيثة صاحبة الريح الخبيث؟ فيقال: هذا فلان بن فلان -بأقبح أسمائه التي كان ينادى بها في الدنيا- حتى إذا جاءوا إلى أبواب السماء واستفتحوا له لم يفتح له.

ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٠ - ٤١]، ثم ينادي منادي الله: أن اكتبوا كتابه في سجين وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى.

فتعاد روحه في قبره، فيأتيه الملكان فيقعدانه ويسألانه فيقولان: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيخر في الأرض سبعين خريفاً، حتى إذا أفاق أقعداه وقالا له: وما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيضربانه حتى إذا أفاق قالا له: ومن ذلك الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: سمعت الناس يقولون كذا وكذا، فيقال له: لا دريت ولا تليت فينادي منادي الله: أن كذب عبدي، فافرشوا له فراشاً من النار وألبسوه لباساً من النار وافتحوا له باباً من النار.

فيضيق عليه في قبره حتى تختلج أضلاعه، فيأتيه رجل قبيح المنظر قبيح الريح فيقول: من أنت، فوجهك والله لا يأتي إلا بالشر؟ فيقول: أبشر بالذي يسوءك؟ هذا يومك الذي كنت توعد، أنا عملك السيئ، فيقول: رب لا تقم الساعة).

هذا حال الذين ضيعوا الصلاة وارتكبوا الفواحش والمنكرات، حالهم: {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:٦٦]، حالهم: {أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف:٥٣] يبكون فلا يستجاب لهم، ينادون فلا يسمع كلامهم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٧].