لكل مرض أعراض تظهر على المريض، ولطول الأمل أعراض، منها: حب الدنيا، فإن المسكين إذا تعلق بالدنيا، وتعلق بشهواتها أصبح من الصعب عليه أن يفارقها، وإذا ذكر الموت عنده كره ذلك؛ لأنه يقطع عليه شهواته، ويقطع عليه لذاته، ويقطع عليه الاتصال بدنياه.
وقد علمنا ربنا عز وجل حقيقة الدنيا فقال مشبهاً لها ومصححاً مفاهيم الناس حولها:{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}[الكهف:٤٥] فهذه الحياة شبهت بالماء؛ لأن الماء لا يستقر على حالة واحدة، ولا يستقر في مكان واحد، ومن خاض في الماء أصابه البلل، ولذلك تقرأ سورة الكهف من الجمعة إلى الجمعة لأنها تصحح المفاهيم، وتصحح المعتقدات، وتربط الناس برب الأرض والسماوات؛ فقد قال الله في أوائل هذه السورة:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:٧ - ٨].
والحياة الحقيقية التي لابد من أن نحياها هي في الآخرة، ولذا قال عز وجل في هذه السورة:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:٤٦].
يا عجباً للناس لو فكروا وحاسبوا أنفسهم أبصروا وعبروا الدنيا إلى غيرها إنما الدنيا لكم معبر لا فخر إلا فخر أهل التقى غداً إذا ضمهم المحشر ليعلمن الناس أن التقى والبر كان خير ما يدخر قال الله جل في علاه:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر:٥ - ٦].
فالتعلق بالدنيا هو من أسباب طول الأمل، فإذا أنس الإنسان إلى الدنيا تعلق بها وبما فيها، وإذا ذكر الموت كان ذكر الموت من أصعب الأشياء عليه؛ لأنه يقطع عليه لذاته وشهواته.