للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم الموقف عند الحساب]

ألا إنها شدة قد بدأت وانتهت، وبدأت بعدها عقبة كئود، إنها الحساب وشدته، وهو أعظم موقف وأشد عقبة، فعلى ضوئها ونهايتها ستحدد البداية التي لا نهاية لها، حين أن يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويقال: يا أهل النار خلود فلا موت.

فهيا نتابع الأحداث والأخبار تعال نتابع بداية حساب ونهايته! لكن كيف ستكون البداية، وكيف ستكون النهاية؟! حسبك أن تعلم أن القاضي والمحاسب في ذلك اليوم هو الحكم العدل قيوم السماوات والأرضين، ليتبين لك عظم هذا المشهد وجلالته ومهابته {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [البقرة:٢١٠].

نعم سيجيء الرحمن مجيئاً الله أعلم بكيفيته، نؤمن به ونعلم أنه حق ولا نؤوله ولا نحرفه ولا نكذب به، وستجيء الملائكة في هذا الموقف الجليل ومعها كتب الأعمال التي أحصت على الخلق أعمالهم وتصرفاتهم وأقوالهم ليكون حجة على العباد {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٩] {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:٣٠].

ومعنى الحساب: أن يوقف الحق تبارك وتعالى عباده بين يديه يعرفهم بأعمالهم التي عملوها وأقوالهم التي قالوها، وما كانوا عليه في حياتهم من إيمان أو كفر أو استقامة أو انحراف أو طاعة أو عصيان.

فمن سلك طريق الهداية يعط كتابه بيمينه ويحاسب حساباً يسيراً وينقلب إلى أهله مسروراً، ومن سلك طريق الغواية يعط كتابه بشماله ويحاسب حساباً عسيراً ويدعو ثبوراً.

ستقام محكمة قاضيها الملك الديان، شعارها: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:١٧]، شعارها: (إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً).

ستقوم المحاكمة على قواعد وأصول بينها الله جل في علاه، منها العدل التام الذي لا يشوبه ظلم، قال جل في علاه: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:٤٧].

ومنها: لا يؤخذ أحد بجريرة غيره، قال سبحانه: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤].

ومنها: إطلاع العباد على ما قدموه من أعمال ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا)) [آل عمران:٣٠].

ومنها: إقامة الشهود، قال سبحانه: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:٢٤ - ٢٥].