من ثمار العمل الصالح أخية! أنه سبب في حفظ الأهل والمال والعيال، قال سبحانه في سورة الكهف، وهي السورة العظيمة التي يقرؤها كثير من الناس يوم الجمعة، ولكن القليل هم الذين يفهمون لماذا أُمرنا بقراءة هذه السورة العظيمة؟ فهي من أعظم سور القرآن؛ لذلك أمرنا بقراءتها من الجمعة إلى الجمعة، إنها سورة تصحح مفاهيم الناس، ومعتقداتهم، ونظرتهم إلى الحياة الدنيا وزينتها، قال الله في أوائل السورة:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا}[الكهف:٧ - ٨]، ثم قال في آية:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا}[الكهف:٤٦]، تذكرنا بوضع الحساب، وبالوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، وتذكرنا هذه السورة العظيمة أنه مهما طالت الحياة فلابد من النهاية، ولابد من أن تجزى كل نفس بما كسبت، فيجازى المسلم على إحسانه، والمسيء على إساءته.
قال سبحانه بين سطور السورة:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف:٨٢]، والشاهد من الآية قوله:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف:٨٢]، فبصلاح الأب حفظ الأبناء، وقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم العظيم يوم أن قال لـ ابن عباس وهو غلام:(احفظ الله يحفظك) أي: احفظ الله بفعل أوامره والمحافظة عليها، واحفظ الله بترك نواهيه، واحفظ الله بالمحافظة على العمل الصالح، والنتيجة: حفظ الله لك في دينك ودنياك وأهلك ومالك، فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
ولا شك أنك تحبين الأبناء والبنات أماً كنت أم بنية، فأما الأم فتعرف هذا الشعور، وأما البنية فستعرفه إن شاء الله يوم أن يرزقها الله بالزوج الصالح، ويرزقها الله بالأبناء عندها ستعلم قيمة الأولاد، ولا يمكن أن نعرف قيمة الشيء حتى نجربه.
وقد كنت في أحد المستشفيات فأحضر أب ابنه الصغير لإصابة في قدمه، فكانت الممرضة تريد تنظيف وتطهير الجرح، وكان الغلام كلما وضعت يدها على الجرح اشتكى، والأب يقول لها: اتقي الله في الغلام، وأنا لم أرها قد فعلت شيئاً، ثم تعاود الكرة، ويبكي الصغير والأب يتقطع ألماً أمامي، فقلت له: يا أخي! هي لا تستطيع أن تطهر الجرح حتى تلمسه، وحتى تضغط عليه قليلاً، قال: والله إنه كلما قال: آه وجدت أثرها في قلبي، قلت: سبحان الله! كم الأبناء والبنات غالون، فإذا كنت تريدين لهم الحب، وتريدين لهم الأمن والأمان فاحفظي الله، وعلميهم حب الله وحب رسوله؛ لأن الله خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.