[خيركم خيركم لأهله]
إننا ندعي أننا أتباع محمد، فكثير ادعوا أنهم يحبونه وأنهم أتباعه، فطلب الله منهم الحجة والبينة، فقال: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١]، فصدق المحبة في صدق الاتباع، كيف كان مع أهله؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
سئلت عائشة: ماذا يصنع في بيتكم سيد البشر؟ ليس برئيس شركة، ولا أمير دولة، ولا ملك، ولا وزير، لا، بل سيد البشرية كلها، وخير من وطئ الأرض من البشر كلهم، يقال لـ عائشة: ماذا يصنع عندكم؟ فقالت: (كان يقوم خدمتنا فيكنس بيتنا، ويصلح طعامنا، ويغسل ثيابنا).
أسألك بالله متى آخر مرة غسلت الصحون؟! هل هو عيب؟ لماذا نضطر لإحضار خادمات؟ لماذا الرجل لا يتلطف مع زوجته ويقف معها؟ لماذا دائماً نحب الأوامر والنواهي؟ بل إن التربية تبدأ بـ: (جي وهاتي) من ليلة العرس ومن يسيطر من ليلة الدخلة! هذه بنت تعطيها أمها التعاليم، ورجل تعطيه أمه التعليمات والبيانات، فالمرأة قالت لها أمها: من أول ليلة إما أن تركبينه، وإلا ستفقدين السيطرة، فافرضي شخصيتك من أول ليلة، قالت: وماذا أعمل يا أمي؟ قالت: إذا جلستم وغيرتم ثيابكم، وجلستم على فراش الزوجية، ضعي كأساً من الماء بعيداً عنك، فإذا جاء يريد أن يجلس بجوارك، قولي: لو سمحت! هات كأس الماء، أعطيه الأوامر من أول ليلة، وهو أمه قد وصته، فجاءت البنت تطبق الخطة التي علمتها أمها فتزينت وتعطرت وغيرت ثيابها، ثم وضعت كأس الماء وأبعدته يوم جاء وقرب، قالت له: لو سمحت هات كأس الماء، قال: (يلعن أبو وجهك) ولطمها على وجهها، قالت له أمه: أول أمر تعطيك لابد بأن تُجيب عليه بصفعة.
لكن أقول: خير الهدي هدي محمد، فإذا دخل على زوجته في أول ليلة وضع يده على رأسها: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلت عليه)، وبعضهم لا يدري لماذا نصنع هذا؟ دخل النبي صلى الله عليه وسلم على إحدى زوجاته وقد كان أهلها أعطوها وصايا؛ لكن وصاياهم لم تكن في محلها، قالوا لها: إذا أردت أن يحبك النبي صلى الله عليه وسلم أول ما ترينه قولي: أعوذ بالله منك، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له هذا، قال لها: (لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك).
هي آداب، فإذا اتبعنا الهدي النبوي فإن البركة تحل من أول ليلة، والهدي النبوي أولاً يكون في الاختيار، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، وقال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس)، وقال: (إياكم وخضراء الدمن! قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسنة في المنبت السوء)، نختار، ثم إذا اخترنا نطبق الهدي النبوي، كيف كان في بيته؟ قالت عائشة: (كان يخدمنا فيغسل ثيابنا، ويصلح طعامنا، حتى إذا سمع النداء كأنه لا يعرفنا).
لبعض سبحان الله! إحساس يعرف متى يلاطف أهله؟ ومتى يتجنب ذلك؟ ويعرف ساعات غضبهم، ويعرف ساعات انفعالهم، ويراعي مثل هذا، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والله يا عائشة! إني لأعرف غضبك ورضاك قالت: كيف يا رسول الله؟ قال: إذا غضبت تهجرين اسمي، فبدل ما تقولين: والذي بعث محمداً بالحق، تقولين: والذي بعث إبراهيم بالحق -وهي صادقة إبراهيم مبعوث بالحق- فتقول: أجل يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك)، فهو يعرف أن زوجته غاضبة عندما تهجر اسمه.
وبعضهم إذا قيل له: راض زوجتك، يقول: دعها تنفجر، لماذا لا تنفجر؟ انفجر أنت والله، هي دم ولحم ومشاعر، وما أعطيناك إياها لكي تقول: دعها تنفجر، إذا لم يكن عندك استعداد لترضيها فلماذا أخذتها؟ وهل تظن أن الحياة كلها ضحك؟ بل سبحان الله! الحب الحقيقي بعد الغضب في البيوت الصادقة يرجع أحسن مما كان.
البيوت الصادقة تغضب، والغضب مثل الملح في الطعام، ينقي الشوائب، ويطهر البيوت، ويرجعها أحسن مما كانت عليه، اليوم أتباع محمد أبعد ما يكونون عن تطبيق سنة محمد صلى الله عليه وسلم وهديه في الزواج، سب شتم إهانات مقاطعات وحتى الضرب يحصل لأتفه الأسباب، وقلة الغيرة، وشك في كل الأمور، أين نحن من قوله صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً)؟! البيوت اليوم تهدم لأتفه الأسباب، امرأة ضُرِبت، وتشتكي فتقول: ضربني ضرباً حتى أمسكوه، ووصلت إلى درجة تقول: إن عيني عليها سواد، ووجهي كله اخضرار من كثرة الضرب، فهل هذه حلبة ملاكمة؟ وهل أتيت تفتل عضلاتك عليها! وما وجدت إلا هذه الضعيفة تظهر عليها قوتك، لكن ثق تمام الثقة أن الله سيسلط عليك من لا يخافك فيه ولا يرحمك.
أتدري لماذا ضربها؟ ليتهمها بأنها ارتكبت جريمة، قلت: لماذا فعل هذا بك؟ اسمع -بارك الله فيك- حتى تعلم أنه تافه، إن كثيراً من الرجال تافه نسأل الله العفو والعافية، بل قل حقير في بعض الأحيان.
تقول: كان عنده ثوب صوف اشتراه بأربعمائة ريال، وهو يغسل بالبخار، فقال لي: لا تغسليه مع الثياب، تقول: فاختلط مع الثياب فغسلته، فلما رآه كال لي الضرب والسب واللعان بأربعمائة ريال، فكسر رأسي! هذه أم عيالك يا أخي! والمفروض أن تقول لها: فداكِ المال والعيال والحلال لو كنت صادقاً في الحب، أما أن تضربها مثل هذا الضرب فما جاءت بفاحشة مبينة يا إخوان! فهل هذا هدي محمد؟ أم هل هذا هدي القرآن؟ بل إن القرآن في حالة نشوز المرأة وعدم طاعة زوجها، وضع لنا حلولاً، قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:٣٤] أول حلٍ: الموعظة، ثم قال: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:٣٤]، ثم السنة بيَّنت كيف يكون الضرب؟ بأن يكون ضرباً بسيطاً غير مبرح، أي: ضرب تأديب لا ضرب إهانة وإيلام، حتى تراجع حساباتها بارك الله فيك، لكن أن تضرب على ثوب -نسأل الله العفو والعافية- فلا يعقل ذلك.
وحتى الطلاق أصبح اليوم يقع لأتفه الأسباب.
تريد تضحك، اسمع: صلى رجل الفجر ثم عاد -لا أقول إنه مجنون وإنما هو شخص عاقل، لكن في تلك اللحظة ذهب العقل- جاءها وهي جالسة مسرورة تنتظر رجوعه، يضحك وإياها، فقال لها: هل تريدين أن أطلقك؟ قالت: أتحداك، قال لها: أنت طالق.
أقسم بالله يا إخوان! أني أعرفه تمام المعرفة، وأقسم بالله العظيم إنه جاءها وهي تضحك! وهو الآن في ذمة الله، لكن العقول تزيغ يمنة ويسرة! ثم يقول: بعدما قلتها استشعرت ما الذي قلته؟ فجاءني أحد الشباب فقال: أريد أن أتزوج؛ لأني طلقت التي قبل، فقلت له: تريد تتزوج وتطلق، لماذا طلقتها؟ قال: زعلتني!! فثلاثة أمور جدهن جد وهزلهن جد؛ العتاق والطلاق والزواج، فلماذا نتلاعب بمثل هذه الكلمة؟ يقول: أنا كنت غاضب، وهل يطلق واحد وهو يضحك؟ هل يطلق وهو بيده كأس شاي وهو يضحك، ويقول لها: أنت طالق، إلا أخونا هذا صاحب صلاة الفجر.
امرأة قالت لزوجها: أنا سأشتري خيلاً من تبوك، قال لها: والله لن يركبها أحدٌ سواي، قالت: والله لن تركبها -لاحظ أن الخيل ليست موجودةً- قال: علي الطلاق، والله أنت طالق.
أين الخيل؟ إنها غير موجودة، وطلقت المرأة على أسباب تافهة، وهذا يحدث كثيراً، فتُهدم البيوت على أتفه من هذه الأسباب.
ولاحظ أنه من شدة الكلمة ومن ثقل الكلمة ترتبط أسرة بكلمة، بل بكلمة تدخل الجنة أو بكلمة تدخل النار.
وهذا حتى تعرف مسئولية الكلمة إن لم تكن أهلاً لها فلا تجني على الآخرين.
من المتضرر إذا طلقت النساء؟ إنهم الأطفال.
ليتنا نستشعر مسئولية الآخرين، ثم على فرض أنها وصلت الأمور إلى نقطة مسدودة تسمى الطلاق، ما تلاحظون يا إخوان؟! إن العلاقات بين الأسر تنقلب عداوات؛ بل بعضهم لو طُلقت أخته -وهو متزوج أخت المطلق- لطلق زوجته، لأن أخته طُلقت يقول الله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، هو مع هذه وصل إلى درجة لا يستطيع العيش معها، فتأخذهم نعرات الجاهلية والقبلية، ويطلقون الفتيات بسبب أن هذا طلق هذه، يا إخوان! هذا لا يجوز، لا في عرف ولا في شرع ولا في كتاب أنزله الله.
لابد أن نعرف قيمة عقد الزواج وشعار الزوجية حتى نقوم بحقه كما ينبغي؛ نستشيرها -ليس شرطاً أن تأخذ برأيها- لتشعر أن لها مكانة ومنزلة، وأنك ستأخذ برأيها، ووالله إن بعض النساء عندهن من الرأي والمشورة أحسن مما عند كثير من الرجال.
والله إن بعض النساء عندهن من الرأي والمشورة والحكمة والتدبير ما ليس عند كثير من الرجال، أما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير نساءه، ولم ينقص من قدره ولا من قيمته؛ لأنه يعرف أن بعض النساء عندهن من الرأي السليم والمشورة الحسنة ما الله به عليم.
أمر أصحابه فقال: (انحروا هديكم واحلقوا رءوسكم)، إنهم أتوا يريدون الطواف والعمرة، منذ أن خرجوا من المدينة وهم في شوق إلى الطواف، وببنود جائرة جارت بها قريش على المسلمين، من هذه البنود: أنهم يرجعون ولا يعتمرون هذه السنة، يرجعون السنة المقبلة وتخلي قريش الحرم، ثم يدخل المسلمون يعتمرون، قالوا: يا رسول الله! كيف نرضى أن نرجع وقد أتينا؟! قال: (أنا رسول الله ولن يخذلني) ثم قال لهم: (انحروا هديكم، واحلقوا رءوسكم) فلم يفعلوا، وليس معصية إنما ظناً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يرجع عن كلامه، فرجع إلى أم سلمة، وقد كانت رفيقته في تلك الرحلة، قال لها: (هلك المسلمون أقول لهم: افعلوا كذا وكذا وهم لا يفعلون)، قالت: يا رسول الله -اسمع المرأة- اخرج ولا تتكلم وانحر هديك، واحلق رأسك، فخرج بمشورة أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها.
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم احفظنا في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم هيئ لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وت