ثبت زيد القائد العام، ثم استشهد بعد ستة أيام من القتال بعد أن مزقته رماح الرومان، وهو مقبل كالأسد الهصور، ثم استلم جعفر الراية فصار يقاتل وهو على فرس له شقراء والمسلمون خلفه يقاتلون بضراوة واستماتة لا مثيل لها، فاقتحم جعفر صفوف الرومان، ولكثرة الزحام وشدة الالتحام نزل عن فرسه، ثم عقرها حتى لا يهرب من أرض المعركة استعداداً للموت والشهادة في سبيل الله، وقطع لباب الهرب من أرض المعركة، فكان جعفر أول من عقر في الإسلام أثناء القتال، سابقة ما سبقه بها أحد، وترجل في أرض المعركة بعد أن أحاطت به الرومان من كل جهة وهو يقاتلهم قتالاً شديداً، وراية الرسول صلى الله عليه وسلم مرفوعة في يده، وبينما هو كذلك تمكن أحد فرسان الرومان من قطع يد جعفر التي يحمل بها اللواء فحمله باليد الثانية، فقطعت فأظهر القائد الشاب بطولة فذة لا مثيل لها، فبعد أن فقد كلتا يديه وحفاظاً على اللواء احتضنه إلى صدره بعضديه مكباً عليه؛ ليظل مرفوعاً.
فراية لا إله إلا الله رفعت بأرض القتال والمعارك واليوم ترفع على المدرجات والملاعب، شتان بين انتصاراتهم وبين انتصاراتنا اليوم! ورغم استبسال جعفر وثباته وبقاء اللواء منصوباً في أرض القتال عدة ساعات انتهى ذلك الصمود الرائع بأن سقط جعفر شهيداً بعد أن تناوشه سيوف الرومان، وهو يحتضن اللواء في إصرار، وصعدت الروح لتأخذ مكانها بين الصديقين والشهداء والأبرار، قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين بعد أن فقد ذراعيه فأثابه الله جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء، ثم استمر القتال على أشد ضراوة.