[التخويف من غضب الله وبطشه]
فماذا كان يصنع هؤلاء حتى يحل بهم ما حل؟ والله! إن القضية أعظم من الزنا، وأعظم من شرب الخمور، والله! ما أراهم إلا أنهم قد تحدوا الله، والله ما أراهم إلا أنهم قد بلغوا درجة عظيمة من الطغيان حتى حل عليهم مثل هذا العذاب المهين، فلا تسمع إلا أصوات الاستغاثات من كل مكان، فالأمهات يهرولن والصغار يولولون، والمياه تندفع من كل مكان، {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة:١١ - ١٢]، ووالله! ما رأيت إلا قيامة قد قامت هناك، فأكثر من مائة وستين ألفاً ماتوا في لحظات! ومليون مشردون في كل مكان! فما دمر الله القرى إلا لظلمها، فحين سألت ذكروا لي كل أصناف الذنوب والمعاصي، وكل أنواع الظلم والطغيان، فسحر وشعوذة، وقتل للأبرياء، وزناً وانتهاك للمحارم، وكل أنواع المعاصي والمنكرات، والأدهى والأمر أنه لم يكن هناك من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بل كانوا قد رضوا بما كان يحدث هناك، فوالله ما رأيت دماراً كما رأيت، وما رأيت سبباً لهلاكهم إلا أنهم رضوا بما يحدث هناك، فالزنا في كل مكان، وشرب الخمر في كل مكان، فلماذا يُصنع بهم ما صُنع؟ لا يعلم ماذا كان يصنع هناك إلا الله جل في علاه، والذي أعرفه وأنا متيقن به: أنهم أغضبوا الله فأحل بهم ذلك العذاب، {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:٥٥]، وقد تقول: إن بينهم من يصلي ويصوم، فأقول: نعم، لكن ما فائدة الصلاة والصيام ونحن نرى أوامر الله تنتهك؟ وما فائدة الصلاة والصيام ونحن نرى الله يعصى ولا يتحرك فينا متحرك؟ فلا ينجو المجتمع إلا إذا تعاون أهل السفينة على إنقاذها، أفنترك العصاة وأصحاب الشهوات وأصحاب المنكرات يفعلون ما يشاءون حتى يحل بنا ما حل بهم؟ وهل نسكت حتى يحل بنا العذاب إذا تعطل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتَرك العصاة؟ قال الله: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧]، فمن يحفظنا من بأس الله إن جاءنا؟ أتظن أن الصلاة والصيام ستنجينا؟ (أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث).
ألسنا نرى الفساد اليوم انتشر في كل مكان؟ ألسنا نرى المعاصي والمنكرات في كل مكان؟ فماذا يمنع أن يحل بنا ما حل بهم؟ هل نحن أكرم على الله منهم؟ لا والله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم عذاباً فتدعونه فلا يستجيب لكم)، فإذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حل بنا أعظم مما حل بهم.
إنها قرىً مسلمة من أولها إلى آخرها وجاء النصارى يحتفلون على شواطئهم بالشرك وبأن الله له ولد، فلم ينكروا ذلك، وجاء أهل الصليب على شواطئهم يزنون ببنات المسلمين وما تكلم منهم أحد، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل:٥٢]، {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف:٥٩]، لما دمر الله قرى قوم لوط وجعل عاليها سافلها قال {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣]، فهاهو الربا في كل مكان، وهاهي والمعاصي في كل مكان! ووالله مهما قلت فلن أستطيع أن أصف لكم ما حدث؛ فالأمر أعظم، ووالله! ما أرى القوم إلا أنهم قد أغضبوا الجبار جل جلاله، والجبار حليم، والجبار رحيم، لكنهم وصلوا إلى درجة عظيمة من الظلم والطغيان.
وفي يوم الجمعة صليت معهم، وبعد الصلاة أذنوا لي بكلمة بعد الصلاة، فذكرتهم بالذنوب والمعاصي والفواحش والمنكرات، ثم قام أحدهم وقال للذي ترجم الكلمة: قل للعرب والمسلمين: أين أنتم؟ الآن تأتوننا يوم أن حل بنا العذاب؟ أين أنتم من قبل عنا؟ لماذا تركتمونا للنصارى؟ لماذا تركتمونا للصليب؟ يقول: فعلى مدى أيام ما رأينا مسلماً واحد يواسينا في مصابنا: نعم والله! ما رأيت في الملاجئ إلا الصليب، يوزع النصارى الحلوى على الصغار، والله! ما رأيت إلا علامات الصليب تتجول في كل مكان، تقدم الإعانات للمسلمين، فأين نحن عنهم؟! أما قال الله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].
قلنا: ذلك بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، فأين ذنبونا ومعاصينا نحن؟ ومن الذي يمنع عنا مثل هذا العذاب؟ إن سكتنا -والله- ليحلن بنا أشد مما حل بهم.
فهل قرأتم الجرائد منذ أيام مضت؟ عندما منعت الاتصالات على برنامج (أكاديمي استار) للتصويت للعصاة والزناة يقول أحدهم في إحدى الجرائد: هذه حرية شخصية نصوت لمن نريد، ونفعل ما نريد، يعني اتركونا نعصي الله، فهل هذه حرية شخصية؟! وهل نترك أمثال هؤلاء؟! قال الله: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ * قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام:٤٤ - ٤٧].
وقال الله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة:٧١].
وقال الله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:٤١].
فعندنا من المنكرات أكثر مما عندهم، لكن لازال عندنا أولئك الذين ينكرون وأولئك الذين يقولون الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، وبمثل هؤلاء ننجو ونأمن من عذاب الله {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٦ - ١١٧]، فتخيل لو أن صغاري وصغارك كانوا بينهم! وتخيل لو أن نساءنا وأطفالنا كانوا بينهم! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:٨ - ٩]، ذكر الله هذه الآيات بعد تدمير القرى الظالمة التي ظلمت وطغت وتجرأت على الله جل في علاه.
فالله الله! كن سبباً من أسباب النجاة، وأْمر بالمعروف، وانه عن المنكر، وقل الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإن تخلينا فلا نلومن إلا أنفسنا، فالأمر -والذي نفسي بيده- أعظم من أن أبينه لك في ساعة، والأمر أعظم من أن ينقل بالكلام، والله! إني لا أستطيع أن أصف لكم حقيقة ما رأيت، مررت على الملاجئ، ومررت على المستشفيات ورأيت المصائب والآلام، وهم ينتظرون من يخفف عنهم تلك المصائب والآلام.
في يوم السبت الذي وصلت فيه كتب في كل جرائدهم: إحباط محاولة اختطاف ثلاثمائة يتيم من الجمعيات النصرانية! فهم يخطفون الصغار والأيتام الذين فقدوا أمهاتهم وآباءهم، يأخذونهم إلى بلادهم فينصرونهم ويمسحون هويتهم المسلمة، وقد أخذوا من أخذوا وسرقوا من سرقوا من الأطفال، ولا أحد يعلم بهم، وقد جاءوا بطائراتهم يدعون أنهم يقدمون المساعدات، ووالله! ما أتوا حباً في المسلمين، فالله قد أخبرنا عنهم أنهم لن يرضوا عنا أبداً، والله أعلم بهم.
فالله الله! فالمسلمون هناك يحتاجون من يدعو لهم، ويحتاجون من يزورهم، ويحتاجون من يمد لهم يد العون، إن أعظم ما نقدم لهم أن نصنع ابتسامة، وأن نشعرهم أننا معهم قلباً وقالباً، يقول لي: أين أنتم؟! أين دعاتكم؟! أين أبناؤكم؟! سبحان الله! يقول: لا يأتي منكم إلا من يزنون بنسائنا وبناتنا!! فالله الله بالالتفاف حول المسلمين، فإن لم نلتف حولهم في مصابهم ونعينهم على آلامهم فمتى يكون ذلك؟! أسأل الله أن يخفف عنهم مصابهم، وأن يرحم موتاهم، وأن يجعل ذلك عبرة لنا وآية، وأن يحيي بها قلوبنا، وأن يغير بها حياتنا، وأن يجعلنا بها من المتعظين والمعتبرين.
اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وأعنهم على ما حل بهم، اللهم اجعلنا عوناً لهم على ذلك.
اللهم ارحم ضعفنا وضعفهم، وارحم تقصيرنا وتقصيرهم، وتجاوز عن سيئاتنا وسيئاتهم، واجعلنا ممن يقولون الحق ولا يخافون فيك لومة لائم.
اللهم طهر مجتمعاتنا وبلاد المسلمين من الشرك والبدع والخرافات والضلالات والمعاصي والمنكرات، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا رب العالمين! اللهم لا تؤاخذنا بالتقصير، واعف عنا الكثير، وتقبل منا اليسير، إنك -يا مولانا! - نعم المولى ونعم النصير.