[واجب المسلم تجاه هذه العقوبات]
إن الواجب علينا في مثل هذه الأحداث، وفي مثل هذه الظروف أن نرجع إلى الله, وأن نلجأ إلى الله, وأن نتضرع إلى الله, وأن نتوب ونستغفر الله، ولا نكون كالذين قال الله فيهم: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٢ - ٤٣].
عباد الله! قد تكون الأحداث في ظاهرها مؤلمة, ولكنها والله رحمة من رب العالمين, حتى يراجع المسيء حساباته ويزيد الصالح في صلاحه, وينتهي أهل الباطل عن باطلهم, وأن يعلم الجميع أن هذه العقوبات والمعاصي والفواحش والمنكرات إنما هي عقوبة، وأن يعلم الجميع أن هذه العقوبات هي بسبب المعاصي والفواحش والمنكرات, كما قال الله: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} [العنكبوت:٤٠].
ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: (يا أم المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا, وشربوا الخمور, وضربوا المعازف, قال الله عز وجل في سمائه لأرضه: تزلزلي بهم, فإن تابوا ونزعوا, وإلا أهدمها عليهم، قال الرجل: يا أم المؤمنين! أعذاباً لهم؟ قالت: لا, بل موعظة ورحمة وذكرى للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين).
فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فلا تكونوا من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.
فالواجب عباد الله! عند حدوث هذه الحوادث وهذه الآيات المسارعة بالتوبة والضراعة إلى الله، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره).
ويستحب أيضاً رحمة المساكين والصدقة عليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ارحموا ترحموا)، وقال أيضاً: (الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال أيضاً: (من لا يرحم لا يرحم).
والله لقد أخبرنا كثير من الناجين بأنهم نجوا لما لجئوا إلى بيوت الله التي وقفت صامدة أمام الأمواج والأعاصير، فسبحان الذي قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:٥٣]، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
أما رأيتم عباد الله صور الموتى من الأطفال والنساء؟ فهل تخيلتم أطفالكم ونساءكم؟! يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم ارحم موتى المسلمين الذين ماتوا في هذه الزلازل والفيضانات، واجعل ذلك تكفيراً لسيئاتهم ورفعة لهم في الدرجات، واجعل ذلك عبرة لنا وذكرى يا رب العالمين.
اللهم رحماك بالشيوخ والأطفال والنساء والضعفاء يا رب العالمين! اللهم إنهم جوعى فأطعمهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم يا رب العالمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين! ول علينا خيارنا واكفنا شرارنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك وابتغى رضاك يا رب العالمين! اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسك، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين! اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا حي يا قيوم! اللهم إنا نسألك توبةً نصوحاً يا رب العالمين! اللهم أصلح الشباب والشيب، اللهم رد الشباب إلى الحق يا رب العالمين! وبارك في أعمال الشيب يا حي يا قيوم! واحفظ نساءنا وأطفالنا وبلادنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين! لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، اغفر لنا وارحمنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم عاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك, اللهم كن معهم في العراق وفلسطين والشيشان وفي أفغانستان وكشمير والفلبين والسودان وفي كل مكان يا رب العالمين! انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وقو عزائمهم، وثبت الأقدام، وفك أسرانا وأسراهم يا رب الأنام! اللهم اهزم عدوك وعدونا إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز! عباد الله! {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.