[كيف يعرف الإنسان قدره عند ربه؟]
الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.
أما بعد: أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله عباد الله! {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:٢٨١].
خرج عمر مرة من المرات من المدينة يريد مكة للعمرة، وفي طريقه التقى بـ عمرو بن نافع واليه على مكة، فقال له عمر: من وليت على أهل الوادي؟ أي: من خلفت بعدك على إمارة أهل الوادي؟ يعني: على أهل مكة؟ قال: وليت عليهم ابن أبزى، قال عمر: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا، قال: تولي على أهل الوادي مولى من مواليكم؟! قال: أما والله! إنه عالم بكتاب الله وبالفرائض، فقال عمر: أما والله! إني قد سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين).
فـ ابن أبزى كان مولى من الموالي، وكان ابن مسعود رويعي غنم، فلم يؤت سعة من المال، ولا سعة في الجسم، ولا سعة في الجاه، ولم يكن حسبه ولا نسبه سبباً في رفعته عند الله تبارك وتعالى، لكنه القرآن.
إنه ابن الإسلام صنعة القرآن، فكيف أصبح عالماً، حبراً، زاهداً، مجاهداً في سبيل الله؟ لقد وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن، وتدبر آياته، وعمل بمقتضياته، وصل إلى تلك الحال يوم أن قرأ القرآن وعمل بآياته، وتدبر في مراد الله منه، وعمل بمقتضى كلام الله تبارك وتعالى، فأسألك بالله العظيم: أين نحن من القرآن اليوم؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:٢٣٨]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨]؟! أين نحن من قوله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠]؟! أين نحن من آيات الجنة وآيات النار؟! فإن لم تحرك تلك الآيات فينا المشاعر والأحاسيس فمن الذي يحركها؟! اعلم أن قيمتك عند ربك بقيمة كلام الله في حياتك، فإذا أردت أن تعرف قيمتك عند الله فانظر إلى قيمة كلام الله وأوامره ونواهيه في حياتك، وإذا أردت أن تعرف ماذا لك عند الله فانظر ماذا لله عندك في حياتك، فقيمتك بذلك القرآن الذي تقرأه وتعمل بمقتضاه.
وانظر إلى ما صنع القرآن بـ ابن مسعود؟ فقد ارتقى شجرة يوماً فجاءت الريح فأطارت ثوبه وكشفت ساقيه، فإذا بالساقين دقيقتين نحيلتين، فلا سعة في المال ولا في الجاه ولا في الجسم، فقد كان كالعصفور الصغير، فضحك الصحابة لما كشفت الريح ساقي ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه لدقتهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تضحكون من دقة ساقي ابن مسعود؟! والله! لساقا ابن مسعود أثقل عند الله في الميزان من جبل أحد)، لماذا؟ هل ذلك لنسبه؟ أو لأنه ابن فلان، أو ابن فلان، أو من يملك من الأرصدة المالية كذا وكذا؟ إنما ذلك بما وعاه صدره من القرآن، وبنصره لدين الله تبارك وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) فقيمة الناس عند الله بما وقر في قلوبهم من إيمان، يقول علي رضي الله تعالى عنه عن ابن مسعود: (لقد ملئ فقهاً وعلماً).
ويقول أبو موسى: (لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم).
ولما أرسل عمر سلمان والياً على العراق جعل ابن مسعود معيناً ومستشاراً له، قال لأهل العراق: (والله! إني آثرتكم على نفسي بـ ابن مسعود).
وكان من كلام ابن مسعود قوله: (من كان متأسياً فليتأس بمن مات، فإن الحي تخشى عليه الفتنة).