للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلالات على عظمة يوم القيامة]

لقد سمى الله يوم القيامة يوماً عظيماً، قال الله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٤ - ٦].

وسماه الله يوماً ثقيلاً، ووصف الله حال الناس في ذلك اليوم وصفاً عجيباً فقال: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢].

ومن دلائل عظمة ذلك اليوم: أنها تتقطع فيه الأحساب والأنساب.

ومن دلائل عظمة ذلك اليوم: أن الكافر يتمنى أن لو كان في ذلك اليوم تراباً.

إنه يوم طويل، فكيف سيبدأ؟ وكيف سينتهي؟ وكيف سينقسم الناس؟ ومن دلائل عظمة ذلك اليوم أنه ما ترك القرآن شاردة ولا واردة إلا ذكرها وصورها عن ذلك اليوم العظيم.

اسمع بارك الله فيك وتدبر وافتح القلب قبل أن تفتح الأذنين! قال جل في علاه: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٣ - ١٨]، فلا إله إلا الله! كيف سيكون الحال إذا بعثر ما في القبور، وحصل ما في الصدور؟! إن يوم القيامة يبدأ بصيحة واحدة وينتهي بانقسام الناس إلى قسمين: فريق في الجنة وفريق في السعير، وقد جاء في حديث الصور الطويل: أن الله بعد أن ينفخ في الصور نفخة واحدة -أي: النفخة الأولى-: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨]، قال: (ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيسأله الجبار -وهو أعلم- من بقي؟ فيقول: بقي حملة العرش، وبقي جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، وبقيت أنا، وبقيت أنت، وأنت الحي الذي لا يموت، فيقول الله تبارك وتعالى: فليمت جبرائيل وميكائيل، فيصيح العرش قائلاً: يا رب يموت جبرائيل وميكائيل، فيقول الرب تبارك وتعالى: إني كتبت الموت على كل من تحت عرشي، فيموت جبرائيل وميكائيل، ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار تبارك وتعالى فيسأله -وهو أعلم-: من بقي؟ فيقول: بقي حملة العرش، وبقيت أنا، وبقيت أنت الحي الذي لا يموت، فيقول الجبار: فليمت حملة العرش، فيموتون، ثم يسأل الله ملك الموت عليه السلام: من بقي؟ فيقول: بقيت أنا، وبقيت أنت الحي الذي لا يموت، فيقول: أنت خلق من خلقي خلقتك لما ترى، فمت، فيموت ملك الموت، فلا يبقى كائن حي لا في السماء ولا في الأرض ثم ينادي الجبار جل جلاله: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد، ثم يجيب نفسه تبارك وتعالى فيقول: لله الواحد القهار).

فهو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، ثم ينفخ في الصور نفخة أخرى فيقوم من في السماوات ومن في الأرض، ويبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، فتأمل حالهم عند الخروج من القبور: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:٦ - ٨]، فأما حال المجرمين: فحال ليس بعده حال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:٤٨ - ٥٣].

وأما حال المتقين: ففي جنات ونهر {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٥].

يا ألله! كيف إذا خرج العباد من القبور ينفضون التراب عن رءوسهم! إنهم خرجوا لا يدرون إلى أين يذهب بهم، ولا يدرون كيف سيكون المصير! {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٢٠ - ٣٠] يا ألله! إنها أحوال وأهوال، تحصل في ذلك اليوم العظيم، فلا الأرض التي كانوا يعرفونها، ولا السماء التي كانوا يرونها {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [إبراهيم:٤٨ - ٥٢].

فمنهم من يحشر على قدميه، ومن يحشر على ركبتيه، ومنهم من يحشر على وجهه {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء:٩٧] قال رجل: كيف يحشرون على وجوههم يا رسول الله؟ قال: (الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يحشرهم على وجوههم) وقال الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:٩٤].

وقد سماه الله يوم التلاق، ففيه يلتقي العباد برب العباد تبارك وتعالى، ويلتقي فيه الظالم مع المظلوم، ويلتقي فيه آدم مع آخر أبنائه في ذلك اليوم العظيم، وإذا جمعتهم أرض المحشر فلا يغادر الداعي منهم أحداً.