للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {بَلْ عَجِبْتُ} (١) المعنى: أنَّ مَنْ شاهدهم يقول: عجبتُ، لأنه يعاين منهم العجب، لأنه قال: {فاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقَاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} (٢)، وهو ما قدَّم ذِكْرَهُ من المشارق والمغارب، والسماء وزينتها وحفظها، والشياطين وتمردها، والملأ الأعلى، وما فيه من أنواع الملائكة والأرض، وما بين السماء والأرض، أَفَهُم في الإعادة يوم النشور أشدُّ خلقاً أم مَنْ خلقنا.

وقال: «من»، ولم يقل (ما) تغليباً لمن يعقل، ثم قال: إنا خَلَقْناهم من طينٍ في المبدأ، فكيف أنكروا إخراجهم من التراب في الإعادة؟

فلما قيل لهم ذلك سخروا، فقال: بل عجبت وهم يسخرون، وهي قراءة علي، وابن عباس، وابن مسعود ولا وجه لإنكارها.

فإن أضافه العَجَبُ/ والسُّخْط، والرِّضَا والحُبُّ والبغض إلى الله سبحانه، ليس على وجه إضافته إلى البشر، وكذلك سَخِرَ الله منهم، والعجب من الخلق إذ يرى الإنسان ما يندُرُ وقوعه ويقل عرفه، فيقول: عجبت، وإذا فعل الآدمي ما يعجب منه من خيرٍ عظيمٍ، أو شرٍّ كبيرٍ جاز أن يقال: أعجب الله منه.

وقد جاء في الحديث (٣): «يعجبُ ربكم مِنْ إلِّكُم وقُنُوطِكُم، ومن إجابته لكم».

والمراد بذلك الاستعظام لوقوع ذلك، وهو مثل قوله سبحانه: {وإنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُم} (٤)، و {بَلْ عَجِبْتَ} (٥) بالفتح أي: عجبت يا


(١) الآية ١١ من سورة الصافات. وقراءة حمزة والكسائي {بل عَجِبْتُ} والباقون {بل عَجِبْتَ}.
(٢) الآية ١١ من سورة الصافات.
(٣) لم أقف عليه في مصادر السنة بهذا اللفظ وهو في تفسير القرطبي ١٥/ ٧١. ومعنى إلِّكُم: أشد القنوط، وقيل: البكاء.
(٤) الآية ٥ من سورة الرعد.
(٥) الآية ١٢ من سورة الصافات.

<<  <  ج: ص:  >  >>