للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلمْ أنَّ جماعةً من النحاة والقرَّاء قد طعنوا في هذه القراءة وضعَّفُوها وغلَّظوا في ذلك وقالوا: هذا وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمرٍ في الحقيقة كأنَّ التقدير يكون فيكون، وإذا لم يكن أمراً لم يجز أن ينصب الفعل بعد الفاء على الجواب، كما لم يجز ذلك في الإيجاب في نحو «آتيك فأحدثك» إلا في الشعر في نحو (١):

................... … ويأوي إليها المستجير فيعصما

قالوا: ومما يدل على امتناع النصب أنَّ الجواب بالفاء نظير الجزاء لأنَّ اذهب فأعطيك نظير إنْ تذهب أعطيتك، ولو جاز اذهب فتذهب لجاز إنْ تذهب ذهبتُ، ولا فائدة في هذا وإنما الفائدة إذا اختلف الفاعلان وضعَّفوا ذلك جداً؛ هذا تلخيص ما ذكره صاحب الحجة ومن تابعه عليه كمكيٍّ وغيره (٢).

واعلمْ أنَّ هذه القراءة ثابتةٌ عن إمام من أئمة المسلمين وما اتَّبَع فيها إلا الأثر، ودليل ذلك أنه قرأ {ثُمَّ قَالَ لَه كُنْ فَيَكُون} (٣) بالرفع في آل عمران، {ويومَ يقولُ كُنْ فَيَكُون} (٤) في الأنعام؛ فهذا التغليط لا وجه له مع أنَّ ما أنكروه من كونه أمراً من قبل أنه لا بدَّ من مأمورٍ، والمأمور هنا إن كان موجوداً فلا معنى لأمره وإن كان معدوماً فلا يؤمر. قد أجيبوا عنه بأنه


(١) البيت لطرفة وهو في ديوانه/ ١٩٤، وصدره: «لنا هضبةٌ لاينزل الذلٌّ وسطها» كتاب سيبويه ١/ ٤٢٣ المقتضب ٢/ ٢٤.
(٢) الحجة للقراء السبعة ٢/ ٢٠٥، الكشف عن وجوه القراءات السبع ١/ ٢٦١.
(٣) الآية ٥٩ من سورة آل عمران.
(٤) الآية ٧٣ من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>