للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظهر وخطب الناس؛ فقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ} إلى قوله: {والأرحام}، ثم قال: تصدَّقَ رجلٌ بديناره تصدَّق/ رجلٌ بدرهمه تصدَّق رجلٌ بصاع من تمره … » الحديث (١).

وهذا الحديث اعترض به ابن النحاس (٢)، وقال: معنى هذا على النصب لأنه حضَّهم على صلة أرحامهم.

قلت: ولو روي أنه قرأه بالنصب لم يكن في ذلك حجةً لأنا لا نقول: إنَّ قراءة النصب ليست ثابتةً، وهذا الحديث إنما يصلح حجةً لها، ولا نقول: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بجميع الوجوه ونحن نقول: إنَّ وجه قراءة النصب واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ووجه قراءة الخفض القسم على ما بينّا.

وإذا كان لهذه القراءة وجهان فلا تُوْرَدُ كل واحدة من القراءتين إلا بحيث يليق بها، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لو ثبت أنه قرأ بالنصب لم يكن في ذلك ما يَرُدُّ الأخرى لأنه قرأ بما يليق ذلك المقام، ألا تراه يقول في حديث هشام بن حكيم «هكذا أنزلت هكذا أنزلت» (٣).

واحتج الشافعي رحمه الله بقوله تعالى: {وأرْجُلِكَم} (٤) بالخفض لمسح الخفين، وبالنصب لغسل الرجلين لأنهما ثابتتان منزلتان، ولو سُلِّم أنَّ الواو عاطفةٌ فقد نُقل ذلك في الكلام والشعر، روى قطرب: مافيها غيره وفرسِه.

وأنشد الفرّاء (٥):

تُعَلَّقُ في مثل السواري سيوفُنا … وما بينها والكعبِ غَوْطٌ نفانِف


(١) صحيح مسلم بشرح النووي. باب الحث على الصدقة وأنواعها ٧/ ١٠٢.
(٢) إعراب القرآن ١/ ٤٣٢.
(٣) صحيح البخاري فضائل القرآن/ باب أنزل القرآن على سبعة أحرف ١/ ٢٢٤.
(٤) الآية ٦ من سورة المائدة.
(٥) البيت لمسكين الدارمي وهو في ديوانه ٥٣، ومعاني القرآن للفراء ١/ ٢٥٣، والإنصاف ٦٥. والسواري جمع سارية وهي العمود والغوط جمع غائط وهو المطمئن من الأرض، ومعنى نفانف جمع نفنف وهو الهواء بين الشيئين.

<<  <  ج: ص:  >  >>