البغي، وزنه من الفعل التفعل، أصله التعدو؛ فلما وقعت الواو طرفًا، وانضم ما قبلها، ردت إلى الياء، والضمة التي قبلها إلى الكسرة، ويروى مكانه (التعاشي) وهو التعامي والتجاهل. تتعاشوا: تتعاملوا وهذا من الرباعي فهو بمعنى ضعف البصر على حد قول عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم:
بعكاظ يعشي النا ... ظرين، إذا همو لمحوا شعاعه
وأما عشا يعشو من الثلاثي فهو من عشا إلى النار، إذا رآها من بعيد فقصدها مستضيئًا، أو راجيًا أنها نار قرى على حد قول الحطيئة:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نارٍ عندها خير موقد
ولا تنس أن قوله تعالى:{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا، فهو له قرين} يصلح لأن يكون من كليهما لأن يعش في الآية بمعنى يعرض ويصد، وإليك قول حاتم الطائي:
أعشوا إذا ما جارتي برزت ... حتى يواري جارتي الخدر
ففي التعاشي الداء: ففيه الشر والوبال.
المعنى يقول: اتركوا البغي والاعتداء علينا، وإنكم إن لم تكفوا عن ذلك وتعاميتم عنه وتجاهلتموه، والجأتمونا إلى الإخبار وكشف الحقائق صرتم إلى ما تكرهون، وفي ذلك البلاء الخطير، والشر المستطير.
تنبيه- في هذا البيت وما بعده التفات من الغيبة في الأبيات السابقة إلى الخطاب في هذا البيت وما بعده، كما يقع الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ومنهما إلى التكلم، ومن المفرد إلى الجمع، وبالعكس، وفي القرآن الكريم كثير من الالتفات في جميع أنواعه، وقد نبهت عليه في محاله من كتابي الجديد (تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه) وللالتفات فوائد كثيرة، منها تطرية