ثم أخذ أمرؤ القيس يستعد لقتال بني أسد، فبلغهم ذلك، فأوفدوا إليه رجالًا من ساداتهم، فأكرك منزلهم، واحتجب عنهم ثلاثة أيامن ثم خرج عليهم في قباء وخف وعمامةٍ سوداء إشعارًا بأنه طالب بثأر بأبيه، فلما لقيهم بدروه بالثناء عليه، وعلى أبيه، وقالوا له: إن الواجب عليك أن ترضى منا بأحد خلال نسميها لك: إما أن تختار من بني أسد أشرفها بيتًا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا، فقدنا إليك من اخترته بنسعه فتذبحهن وإما أن ترضى منا بفداء بالغٍ ما بلغ فأديناه إليك من نعمنا، فترد القضب، أي السيوف إلى أجفانها، وإما أن توادعنا حتى تضع الحوامل، وتتأهب للحرب، فبكى أمرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه، وقال: لقد علمت العرب أن لا كفء لحجر، وأني لن أعتاض به جملًا ولا ناقة، فأكتسب بذلك مسبة، وكانت العرب تتذمم من ذلك، قال شاعرهم يخاطب امرأته:
أكلت دمًا، إن لم أرعك بضرةٍ ... بعيدة مهوى القرط طيبة النشر
ثم قال لهم: وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنة في بطون أمهاتها، وستعرفون طلائع كندة بعد ذلك، ثم ارتحل حتى نزل بكرًا وتغلب، وعليهم أخواه شرحبيل ومعد يكرب، فاستنصرهما على بني أسد فنصراه وأوقع فيهم مقتلة عظيمة حتى كثرت القتلى والجرحى، وحجز الليل بينهم فهرب بنو أسد، فلما أسفر الصبح أراد أن يتبعهم، فامتنعت بكر وتغلب، وقالوا: قد أصبت ثأرك، فقال: والله ما فعلت، ولا أصبت من بني كاهل أحدًا، فلما امتنعوا من المسير معه استنصر مرثد الخير، وهو من أقيال حمير، فأمده بخمسمائة رجل من حمير، ومات مرثد قبل رحيل امرئ القيس، فأنفذ له ذلك قرمل الذي جلس في مكان مرثد، واستأجر كثيرًا من صعاليك العرب، فسار إلى بني أسد، ومر في طريقه على ذلك الخلصة، وهو صنم كانت العرب تعظمه، فاستقسم عنده بقداحه، وهي ثلاثة: الآمر