فكتموه، فقال لهم: والله لا أحفظ لكم متاعًا، ولا أسرح لكم بعيرًا، أو تخبروني بهذا الأمر.
وكانت أم لبيد امرأة من بني عبس، يتيمة في حجر الربيع بن زياد، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، وصد بوجهه عنا، فقال: هل تقدرون على أن تجمعوا بيني وبينه، فازجره عنكم بقول ممض مؤلم لا يلتفت إليه النعمان بعده أبدًا؟ قالوا: وهل عندك من ذلك شيء؟ قال: نعم، قالوا: إنا نبلوك بشتم هذه البقلة - لبقلة قدامهم رقيقة القضبان، قليلة الورق، لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التربة - فقال:
هذه التربة التي لا تذكي نارًا، ولا توهل دارًا، ولا تسر جارًا، عودها ضئيل، وفرعها ذليل، وخيرها قليل، أقبح البقول مرعى، وأقصرها فرعًا، وأشدها قلعًا، آكلها جائع، والمقيم عليها قانع، فألقوا بي أخا بني عبس، أرده عنكم بتعس، وأدعه من أمره في لبس.
قالوا: نصبح فنرى فيك رأينا، فقال عامر عمه: انظروا غلامكم فإن رأيتموه نائمًا فليس أمره بشيء، إنما يتكلم بما جاء على لسانه، وإن رأيتموه ساهرًا فهو صاحبه، فرمقوه بأبصارهم فوجدوه قد ركب رحلاً، وقد تكدم واسطه حتى أصبح، قالوا له: أنت والله صاحبه، فعمدوا إليه فحلقوا رأسه، وتركوا له ذؤابتين، وألبسوه حلة، ثم غدوا به معهم، فدخلوا على النعمان، فوجدوه يتغدى، ومعه الربيع بن زياد، وهما يأكلان ليس معه غيره، والدار والمجالس مملؤة من الوفود، فلما فرغوا من الغداء أذن للجعفريين، فدخلوا عليه، وقد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، وهو يقول: