المشارق والمغارب كثيرة، وفي الحقيقة لكل يوم من أيام السنة مشرق ومغرب، لكنها لا تضبط لعدم ظهور التفاوت، ولكن مشرق كل شهر ومغربه مضبوطة، والتفاوت بينهما فاحش، وبهذا الاعتبار جمعت في قوله تعالى:{بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}[المعارج: ٤٠]، وغاية البعد والسعة بينهما في الصيف والشتاء، وبهذا الوجه ثني في قوله سبحانه:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}[الرحمن: ١٧] فالحد الأول من المشرق مطلع الشمس في أطول يوم من السنة، وهو في تحويل نقطة السرطان قريبًا من مطلع السماك الرامح، وآخر المشارق مشرق الشتاء، وهو مطلع الشمس في أقصر يوم منها في تحويل نقطة الجدي قريبًا من مطلع قلب العقرب، وفي مقابلتهما المغرب، والظاهر أن المعنى بالقبلة في هذا الحديث قبلة المدينة المطهرة ومن داناهم، فإنها واقعة بين المشرق والمغرب إلى الجنوب، فإنها في ناحية الشمال من مكة.
قال التُّورِبِشْتِي (١): وقد قيل: إنه أراد قبلة من اشتبه عليه القبلة، وإلى أي جهة صلى بالاجتهاد كفته، وقيل: المراد منه توجه المتنفل على الدابة إلى أي جهة كانت، وعلى هذين القولين فالمراد من قوله:(ما بين المشرق والمغرب قبلة) الجهات الأربع، ويجوز ذلك على جهة الاتساع؛ لأن الأقطار كلَّها شرقَها وغربَها وجنوبَها وشمالَها واقعة في ما بين المشرق والمغرب، وعلى هذا فالحديث يحتمل وجها آخر، وهو أن نقول: ليس جهة من الجهات ما بين المشرق والمغرب إلا وهي قبلة، بحسب توجه المصلي إلى الكعبة في مكانه الذي هو فيه، فالمشرقي قبلته المغرب، والمغربي قبلته المشرق، وعلى نحو ذلك الجنوب والشمال، انتهى كلامه.