أيام التشريق -يعني الحادي عشر والثاني عشر- فلا إثم ولا حرج، وليس فيه ترك واجب، ومن تأخر إلى اليوم الثالث وهو الثالث عشر فلا إثم عليه أيضًا، وليس فيه ارتكاب بدعة ومجاوزةٌ عن الحد، يعني: هما سواءان في الجواز، وإن كان التوقف والتأخير أفضل لكثرة العبادة وزيادة السعادة.
١٤ - باب حرم مكة حرسها اللَّه تعالى
سمي حرمًا لتحريم اللَّه تعالى كثيرًا مما ليس بمحرَّم في غيره من المواضع، وحرم مكة: ما أحاط بها وأطاف بها من جوانبها، جعل اللَّه [له] حكمها في الحرمة تشريفًا وتعظيمًا لها، واختلف في سبب تحريمه، فقيل: إن آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض، خاف على نفسه من الشيطان، فبعث اللَّه تعالى ملائكة تحرسه، فوقفوا في موضع أنصاب الحرم من كل جانب، فصار ما بينه وبين موقف الملائكة حرمًا.
وقيل: لأن الحجر الأسود لما وضعه الخليل عليه الصلاة والسلام في الكعبة حين بناها، أضاء الحجر يمينًا وشمالًا وشرقًا وغربًا، فحرَّم اللَّه عزَّ وجلَّ من حيث انتهى نور الحجر، وقيل غير ذلك.
وللحرم علامات بينات، وهي أنصاب مبنية في جميع جوانبه إلا في جهة جِدَّة وجهة الجعرانة، فإنه ليس فيهما أنصاب، وأول من نصب ذلك الخليل عليه الصلاة والسلام بدلالة جبرئيل، ثم قصي بن كلاب، وقيل: نصبها إسماعيل بعد أبيه ثم قصي، وقيل: عدنان بن أُدّ أول من وضع أنصاب الحرم حين خاف أن يَدرس الحرم، ثم نصبها قريش، ثم نصبها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عام الفتح، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم معاوية بن أبي سفيان، ثم عبد الملك بن مروان، ثم المهدي العباسي، ثم فثم،