للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالْمَاءِ والثَّلْجِ وَالْبَرْدِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: ٧٤٤، م: ٥٩٨].

ــ

وقوله: (بالماء والثلج والبرد (١)) بالتحريك، حَبُّ الغمام، إشارة إلى أنواع المطهرات وأقسام المغفرة، مبالغة في الغسل والتنقية والمغفرة، والثلج والبرد أيضًا ماء منجمد، فالغسل به ليس ببعيد، فلا حاجة إلى جعل التركيب من قبيل: علفته تبنًا وماءً، ومتقلدًا سيفًا ورمحًا، فافهم.


(١) قِيلَ: خَصَّ الثَّلْجَ وَالْبَرَدَ بِالذِّكْرِ؛ لأَنَّهُمَا مَاءَانِ مَفْطُورَانِ عَلَى خِلْقَتِهِمَا لَمْ يُسْتَعْمَلَا، وَلَمْ تَنَلْهُمَا الأَيْدِي، وَلَمْ تَخُضْهُمَا الأَرْجُلُ، كَسَائِرِ الْمِيَاهِ الَّتِي خَالَطَتِ التُّرَابَ، وَجَرَتْ فِي الأَنْهَارِ، وَجُمِعَتْ فِي الْحِيَاضِ، فَهُمَا أَحَقُّ بِكَمَالِ الطَّهَارَةِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ أَمْثَالٌ وَلَمْ يُرِدْ أَعْيَانَ هَذِهِ الْمُسَمَّيَاتِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَا التَّأْكِيدَ فِي التَّطْهِيرِ وَالْمُبَالَغَةَ فِي مَحْوِهَا عَنْهُ، قَالَ ابْنُ دَقيقِ الْعِيدِ: عَبَّرَ بِهَا عَنْ غَايَةِ الْمَحْوِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مُنَقِّيَةٍ يَكُونُ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ مَجَازٌ عَنْ صِفَةٍ يَقَعُ الْمَحْوُ بِهَا، كَقَوْلهِ تَعَالَى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة: ٢٨٦]. قَالَ الطِّيبِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَطْلُوبُ مِنْ ذِكْرِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَاءِ لِطَلَبِ شُمُولِ الرَّحْمَةِ، وَأَنْوَاعِ الْمَغْفِرَةِ بَعْدَ الْعَفْوِ لإِطْفَاءِ حَرَارَةِ عَذَابِ النَّارِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ، مِنْ قَوْلهِمْ: بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ، أَيْ: رَحِمَهُ وَوَقَاهُ عَذَابَ النَّارِ، قَالَ مِيرَكُ: وَأَقُولُ: الأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: جَعَلَ الْخَطَايَا بِمَنْزِلَةِ نَارِ جَهَنَّمَ، فَعَبَّرَ عَنْ إِطْفَاءِ حَرَارَتِهَا بِالْغَسْلِ تَأْكِيدًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدَّعَوَاتِ الثَّلَاثِ إِشَارَةٌ إِلَى الأَزْمِنَةِ الثَّلَاثَةِ، فَالْمُبَاعَدَةُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَالْغَسْلُ لِلْمَاضِي، وَالتَّنْقِيَةُ لِلْحَالِ، وَكَانَ تَقْدِيمُ الْمُسْتَقْبَلِ لِلِاهْتِمَامِ بِدَفْعِ مَا سَيَأْتِي قَبْلَ دَفْعِ مَا حَصَلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اهـ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمُبَاعَدَةُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ مُطْلَقًا وَالتَّنْقِيَةُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَالْغَسْلُ فِيمَا وَقَعَ مُطْلَقًا، وَتَعَدُّدُ آلَةِ الْغَسْلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الْمَغْفِرَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذُّنُوبِ وَمَرَاتِبِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيمٌ لِلأُمَّةِ، أَوْ دُعَاءٌ لَهُمْ، أَوْ بِاعْتِبَارِ حَسَنَاتِ الأَبْرَارِ سَيِّئاتِ الْمُقَرَّبِينَ، وَهُوَ الأَظْهَرُ. "مرقاة المفاتيح" (٢/ ٦٧١).
وفي "حجة اللَّه البالغة" (٢/ ١٣): أنها كِنَايَة عَن تَكْفِير الْخَطَايَا مَعَ إِيجَاد الطُّمَأْنِينَة وَسُكُون الْقلب، وَالْعرب تَقول: برد قلبه، أَي: سكن وإطمأن، وَأَتَاهُ الثَّلج، أَي: الْيَقِين.

<<  <  ج: ص:  >  >>