الشافعي، أو لم تكن كما هو عندنا، لكن في أول الصلاة فقط عند أبي حنيفة -رحمه اللَّه-، فهي مفتاح الصلاة كالتعوذ، وفي رواية عنه -وهو مذهب صاحبيه-: في أول كل ركعة؛ لأن التسمية مفتاح القراءة، وكل ركعة مستقل فيها، وللاحتياط لاختلاف العلماء في كونها جزءًا من الفاتحة لا بين الفاتحة والسورة، إلا عند محمد في الصلاة السرية، وهو مذهب أحمد مطلقًا، فأول الشافعي الحديث بأن المراد كانوا يفتتحون بهذه السورة، كما يقال: قرأت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، أي: السورة التي أولها {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما سبق، وللحديث تأويل آخر، وهو أنه لم يرد نفي قراءة البسملة بل نفي الجهر بها، فإنه قد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه والخلفاء الراشدين -رضي اللَّه عنهم أجمعين- أنهم كانوا لا يجهرون بالتسمية وإن كانت الصلاة جهرية، كما هو المذهب عندنا.
قال الشيخ ابن الهمام (١): قال بعض الحفاظ: ليس حديث صريح في الجهر إلا وفي إسناده مقال عند أهل الحديث، ولذا أعرض أرباب المسانيد المشهورة الأربعة وأحمد -رحمهم اللَّه-، ولم يخرجوا منها شيئًا مع اشتمال كتبهم على أحاديث ضعيفة، وعن الدارقطني أنه قال: لم يصح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجهر حديث، وعنه: أنه صنف بمصر كتابًا في الجهر بالبسملة، فأقسم بعض المالكية ليعرفه الصحيح منها، فقال: لم يصح في الجهر حديث.
وقال الحازمي: أحاديث الجهر وإن كانت مأثورة عن نفر من الصحابة، غير أن أكثرها لم يَسْلَمْ من شوائب، وقد روى الطحاوي وأبو عمر بن عبد البر عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- الجهر، وعن ابن عباس:(أنه لم يجهر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالبسملة حتى مات)،