للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ، فَقَالُوا لَهُ: أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ،

ــ

لعل ذلك من خصائص صلاة الخوف، وقد تكلمنا فيه في (شرح سفر السعادة) (١).

ثم قال الشيخ ابن الهمام (٢): إنه أجاب الطحاوي عنه وعن حديث معاذ بأنه منسوخ، أو يحتمل أنه كان حين كانت الفريضة تصلى مرتين، ثم نُسِخَ (٣)، وروى حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-: (نهى أن تصلَّى فريضة في يوم مرتين) قال: والنهي: لا يكون إلا بعد الإباحة، ونوزع في ذلك بأنه نسخ بالاحتمال، والجواب أن مراده الحمل على النسخ ترجيحًا بضرب من الاجتهاد، وهذا صحيح بل واجب، إذ يجب الترجيح ما أمكن، ومرجعه الحمل على النسخ في كل متعارضين ثبتت صحتهما، فتدبر.

وقوله: (فسلم) أي: قطع الصلاة، لا أنه قصد قطعها بالسلام؛ لأنه ليس محله، لكنه سلم تشبيهًا بتمام الصلاة وقطعها عنده.

وقوله: (أنافقت) هذا تشديد وتغليظ، والمراد فعلت فعل المنافقين في الكسل عن الصلاة، كما ورد في القرآن المجيد في شأن المنافقين {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}.

وقوله: (لا واللَّه) أي: ما نافقت وما انحرفت كسلًا عن الصلاة، بل لضرورة


(١) "شرح سفر السعادة" (ص: ٢٣٠ - ٢٤٣).
(٢) "شرح فتح القدير" (١/ ٣٧٢).
(٣) ويحتمل أيضًا أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بِنِيَّةِ النَّفْلِ لِيتَعَلَّمَ مِنْهُ سُنَّةَ الصَّلَاةِ وَيَتَبَارَكَ بِهَا، وَيَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ تُهْمَةَ النِّفَاقِ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الْفَرْضَ لِحِيَازَةِ الْفَضِيلَتَيْنِ، مَعَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ أَفَضَلُ عَلَى الأَصَحِّ، وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى، قاله القاري (٢/ ٦٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>