وقولهم: إن الحفاظ الذين عدوهم لم يرفعوه غير صحيح، فإن بعضهم كالسفيانين وشريك وجرير وزهير رفعوه بالطرق الصحيحة، بعضها على شرط الشيخين وبعضها على شرط مسلم، ولو تفرد الثقة وجب قبوله؛ لأن الرفع زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، فكيف ولم ينفرد، والثقة قد يسند الحديث تارةً ويرسله أخرى.
وأخرجه ابن عدي عن أبي حنيفة -رحمه اللَّه- في ترجمته، وذكر فيه قصة، وبها أخرجه أبو عبد اللَّه الحاكم بسند له فيه أبو حنيفة عن موسى بن أبي عائشة من حديث جابر: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلَّى ورجل خلفه يقرأ، فجعل رجل من أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ينهاه عن القراءة، فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال: أتنهاني عن القراءة خلف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ فتنازعا حتى ذُكِرَ ذلك للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال عليه الصلاة والسلام:(من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة). وفي رواية لأبي حنيفة -رحمه اللَّه- أن ذلك كان في الظهر والعصر.
وقال الشيخ: وتضعيف بعضهم لمثل أبي حنيفة مع تضييقه في الرواية إلى الغاية، حتى إنه شرط التذكر لجواز الرواية بعد علمه أنه حفظه، ولم يشترط الحفاظ هذا، ولم يوافقه صاحباه، ثم قد عُضِد بطرق كثيرة عن جابر غير ما ذكر وإن ضُعِّفَتْ، وبمذاهب الصحابة، حتى قال المصنف: -يعني صاحب (الهداية) -: إن عليه إجماع الصحابة، وفي (موطأ مالك): عن نافع عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه كان لا يقرأ خلف الإمام، ورواه ابن عدي عن أبي سعيد الخدري، ورواه الطبراني في (الأوسط) من حديث ابن عباس يرفعه، وروى الطحاوي في (شرح الآثار): أنه سئل عبد اللَّه بن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبد اللَّه، فقالوا: لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة، وروى محمد بن