وفرضها، والحمل على صلاة التهجد كان أنسب وأظهر بلفظ السحر.
وروى صاحب (سفر السعادة)(١) أن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- كان يصلي بعد الزوال ثماني ركعات ويقول: إنهن يعدلن مثلهن من قيام الليل، وهذا في حكم المرفوع، ويستأنس بهذا أن المراد بصلاة السحر صلاة الليل، والظاهر أن هذه الركعات الثمانية مجموع سنة الظهر وسنة الزوال، قال بعض المشايخ: لعل السر في هذا أن هذين الوقتين زمان نزول الرحمة، فإنه تفتح أبواب الرحمة والقبول بعد انتصاف النهار، كما عرفت، وتنزل الرحمة الإلهية في الليل بعد انتصاف الليل إلى وقت السحر، فلما تناسب الوقتان تناسب الصلاة الواقعة فيهما، ويكون كل منهما عديل الآخر، ولما كان نزول الرحمة في آخر الليل أظهرَ وأشهر جعل الصلاة وقت الزوال عديله وشبّه به.
وقوله:(ثم قرأ {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}) ترغيبًا في الصلاة في هذا الوقت، وإظهارًا لفضله بموافقة المصلي لسائر الكائنات في الخضوع والاستسلام والاستصغار لبارئها، وأول الآية {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ}[النحل: ٤٨] أي: أو لم ينظروا إلى المخلوقات التي لها ظلال متفيئة، أي: مائلة راجعة عن أيمانها وشمائلها، أي: عن جانبي كل واحد منها ساجدين للَّه صاغرين متذللين له، والمراد بالسجود الاستسلام سواء كان بالطبع أو الاختيار، فالكل منقاد للرب تعالى فيما خلق ودبر.