للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد يقال: كان عادة اللَّه تعالى جرت في الأكثر بأن ما واظب عليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حكم بفرضيته، وفيه ما فيه، وقيل: وقع ذلك في نفسه اتفاقًا، كما في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت.

ثم استشكل أصل هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من أن اللَّه تعالى قال: هن خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي، فإذا أمن التبديل كيف يقع خوف الزيادة؟ وأجاب عنه بعضهم بأن صلاة الليل كانت واجبة عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأفعاله الشرعية يجب على الأمة الاقتداء به فيها، يعني عند المواظبة، فترك الخروج إليهم لئلا يدخل في الواجب من طريق الأمر بالاقتداء، لا من طريق إنشاء فرض جديد زائد على الخمس، وهذا كما يوجب المرء على نفسه صلاة نذر فتجب عليه، ولا يلزم من ذلك زيادة فرض في أصل الشرع، كذا نقل عن الخطابي.

وأقول: في هذا الجواب نظر؛ لأنه على تقدير وجوب صلاة الليل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ووجوب اقتداء الأمة الوجوبان باقيان سواء خرج إليهم وصلى معهم أو لا، ولو قيل بكونها من خصائصه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا يجب عليهم سواء خرج أو لا، فما الوجه في ترتب خشية الفرضية على المواظبة؟ وأيضًا كيف يترك -صلى اللَّه عليه وسلم- ما هو واجب عليه لهذه الخشية؟ فلا يفيد هذا الوجوب ويندفع السؤال بما ذكر من الأجوبة السابقة.

وأجاب الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (١) بثلاثة أجوبة، أحدها: أن المخوف عليه قيام الليل بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة، وثانيها: أن يكون المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان، ولا يكون ذلك زائدًا على الخمس،


(١) انظر: "فتح الباري" (٣/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>