جملتها النية فيحتاج إلى نية أخرى وهلمّ جرًّا، ويَرِدُ عليه أيضًا: أن النية وإن كانت من أعمال القلوب لكنها تكون مستثناة من الأعمال ألبتة؛ لأن المراد من النية قصد التقرب إلى اللَّه، وتوقفه على قصد التقرب فيه مما لا يعقل، ولا يحتاج إليه، بل القصد مطلقًا يُحتاج إليه في صدور الفعل، ثم لا يحتاج إلى قصد آخر في القصد، بخلاف الاعتقاديات وسائر أعمال القلوب فإنها تحتاج في الصحة والثواب إلى النية، ولا يلزم من توقفها على النية التسلسل، فافهم.
وتكلموا في المعرفة أيضًا بأنها داخلة في الأعمال أم لا؟ فقال بعضهم: إنها غير داخلة لأن النية قصد المنوي، وإنما يقصد المرء ما يعرف، فيلزم أن يكون عارفًا قبل المعرفة.
وتعقِّب بما محصله: أنه إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلَّم، وإن كان المراد بالمعرفة النظر في الدليل فلا؛ لأن كل عاقل يشعر مثلًا بأن له من يدبره، فإذا أخذ بالنظر في الاستدلال عليه لتحققه لم يلزم محذور، كذا قال في (فتح الباري)(١).
ثم الظاهر أن جميع الأعمال داخلة فيها من العبادات والعادات، ولكن وقع الاختلاف بين أبي حنيفة رحمه اللَّه والشافعي رحمه اللَّه في الوضوء وأمثالها، فما لا يكون مقصودًا بذاته بل يكون وسيلة فالشافعي رحمه اللَّه يقول: لا يصح إلا بالنية، ولا تجوز الصلاة بوضوء من غير نية، وأبو حنيفة يقول: يصح ويصير مفتاحًا للصلاة، ولكن لا يحصل الثواب.
ومبنى الاختلاف كما هو المشهور أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إنما الأعمال بالنيات) ليس