واعلم أن المذهب عندنا أن من نوى الإقامة مدة خمسة عشر يومًا أو أكثر أتم الصلاة، ويقصر إن نوى أقل من ذلك، وإن لبث أكثر من خمسة عشر من غير نية لا يصير مقيمًا ولو أقام أشهرًا أو سنين، وهذا التقدير مروي عن ابن عباس وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهم- أخرجه الطحاوي عنهما قائلًا بأن إذا أقمت ببلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصرها، وكذا روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه إذا جمع على إقامة خمسة عشر أتم.
وقال محمد في (كتاب الآثار)(١): حدثنا أبو حنيفة رحمة اللَّه عليه، حدثنا موسى ابن مسلم عن مجاهد عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال: إذا كنت مسافرًا فوطّنت نفسك على إقامة خمسة عشر يومًا فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري متى تظعن فاقصر، قالوا: والأثر في مثله كالخبر لأنه لا مدخل للرأي في المقدرات الشرعية، وأما قول صاحب (الهداية): فقدرناه بمدة الطهر؛ لأنها مدتان موجبتان، فمعناه أن بعد ثبوت التقدير بالخبر وجدناه على وفق صورة قياس ظاهر، فرجحنا به المروي عن ابن عباس وابن عمر -رضي اللَّه عنهم- على المروي عن عثمان -رضي اللَّه عنه- أنها أربعة أيام، كما هو مذهب الشافعي رحمه اللَّه من أنه إن نوى الإقامة أربعة أيام فصاعدأ أتم، كما هو دأبنا في التمسك بالقياسات والدلائل العقلية، إنما هو لترجيح بعض الأخبار على بعض لا قياس في مقابلة النص، كما زعم الخصم، وأيضًا الحديث المذكور الناطق بالقصر مع الإقامة بمكة عشرًا ينفي هذا التقدير؛ لأن الإقامة بمكة كان بنية الزيادة على أربعة؛ لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع، فافهم.